استطلاع / للصحفي سلام سالم رسن
في ظل الثورة التكنولوجية والانفجار الرقمي الذي اجتاح العالم، برزت الصحافة الإلكترونية كواحدة من أبرز مظاهر التغيير في صناعة الإعلام. فبعد أن كانت الصحافة الورقية هي المصدر الأول والأساسي للمعلومة، دخلت الصحافة الرقمية بقوة، حاملة معها أدوات السرعة، والتفاعل، والوصول الواسع، لتحدث شرخًا واضحًا في منظومة الإعلام التقليدي.
في هذا الاستطلاع، التقى الصحفي **سلام سالم رسن** بعدد من الإعلاميين والمثقفين العرب، لاستطلاع آرائهم حول هذا التحول الكبير، وآثاره على واقع الصحافة والمجتمع.
المحطة الأولى:
الأستاذ الإعلامي محمود مكي السعد – عضو نقابة الصحفيين العراقيين والعرب
أوضح السعد أن الصحافة الورقية كانت في يوم من الأيام المتربعة على عرش الإعلام، يقبل عليها المثقفون بشغف كل صباح. ومع تطور التكنولوجيا، أصبحت الصحافة الإلكترونية أكثر كفاءة من حيث السرعة والتكلفة، حيث يتم تجاوز مراحل الطباعة التقليدية وتوفير الوقت والجهد والمال. ورأى أن التحول إلى الصحافة الإلكترونية لا يمثل ضررًا، بل ضرورة تفرضها معطيات العصر الحديث.
المحطة الثانية:
الأستاذ حمدي عيسى – كاتب وأديب ليبي مدير تحرير جريدة صدى المستقبل
اعتبر عيسى أن الصحافة الورقية تحتفظ بميزتين أساسيتين: *المرجعية القانونية* وسهولة الوصول إليها دون الحاجة لتقنيات إلكترونية قد تتعطل في أي لحظة. وأشار إلى “متعة القراءة الورقية” وارتباطها الحسي بالقارئ، كمن ينتظر مولوده الجديد، مؤكدًا أن الورقية تظل حاضنة لثقافة لا يمكن تعويضها.
المحطة الثالثة:
الصحفي فؤاد السوداني في جريدة الأضواء المستقلة
أكد السوداني أن الصحافة الإلكترونية تفرض نفسها على الساحة بقوة، خاصة مع هيمنة الإنترنت على حياة الأفراد، لكنه حذّر من تراجع الاهتمام بالقراءة الورقية، وما لذلك من تأثير سلبي على الثقافة المجتمعية. ورغم مزايا الرقمية، يرى أن الورقية لا تزال تمثل *أرشيفًا موثقًا وتاريخًا حقيقيًا* لا يندثر بسهولة.
المحطة الرابعة:
الإعلامي علي الوحيلي – مقدم برامج تلفزيونية و متابع نشط في وسائل التواصل ووكالات الأنباء
أشار الوحيلي إلى أن الحداثة أصبحت عنصرًا حاسمًا في نقل المعلومة، وأن الصحافة الإلكترونية تتيح نشر الأخبار أولًا بأول، معتمدة على المراسلين النشطين والمنصات السريعة. لكنه أيضًا لم يغفل دور الصحافة الورقية في تنمية الثقافة، مؤكدًا أن لكل نوع جمهوره وذائقته الإعلامية.
المحطة الخامسة:
الأديب والإعلامي المصري عبد الناصر الجوهري
تحدث الجوهري عن ولادة الصحافة الإلكترونية عالميًا منذ أوائل التسعينيات، وظهورها عربيًا عام 2001 مع صحيفة *إيلاف*. وأكد أن هذا التحول مرتبط بالعولمة والانفتاح التكنولوجي. لكنه شدد في الوقت نفسه على أن الصحافة الورقية *هي الأصل*، مشيرًا إلى أن الصحافة الرقمية تعاني من مشاكل مثل ضعف الرقابة، وغياب القوانين المنظمة، وادعاء كثيرين للانتماء للمهنة دون تأهيل.
الخاتمة – بقلم: الصحفي سلام سالم رسن
يتضح من الآراء المطروحة أن الصحافة الإلكترونية فرضت نفسها بفضل السرعة والانتشار والتكلفة القليلة، لكنها لا تزال تعاني من تحديات كبيرة، أبرزها ضعف التنظيم والرقابة، وغياب المرجعية المهنية والقانونية.
أما الصحافة الورقية، فرغم تراجعها الواضح، تظل هي “الأم” كما وصفها البعض، لأنها تقدم محتوى موثقًا، وتستند إلى تقاليد مهنية راسخة. كما أن تراجع الإقبال عليها لا يعني بالضرورة انتهاءها، بل ربما يدفعها إلى التكيف مع الواقع الرقمي دون التفريط بجوهرها.
إن السؤال الذي يبقى مطروحًا:
هل ستتمكن الصحافة الورقية من الصمود في وجه المد الرقمي؟ أم أن الزمن يكتب فصول النهاية لصاحبة الجلالة المطبوعة؟
ربما تكون الصحافة الإلكترونية استلمت الشعلة، لكن الصحافة الورقية لم تُطفئها بعد. وربما لا تكون نهاية، بل تحول في القصة… من فصل إلى آخر.