في أواخر السبعينات، وبين قاعات الدرس وأحاديث الزملاء، وُلد حب صامت في قلب شاب خجول ، لزميلته الجميلة الهادئة. لم تدرِ به يومًا، ولم تُفتح نافذة بينهما، سوى سلام عابر ومجاملة بريئة.
مضت السنون، وافترق الجميع، لكنه بقي يحمل صورتها في ذاكرته… وجه لم يغب، حتى بعد أن تكسرت الملامح في زحام الحياة.
وبالصدفة، بعد عقود، وجدها على “فيسبوك”. أرسل لها طلب الصداقة، فوافقت. وعادت الأيام تمشي للوراء، لكنها لم تكن تدري أنها تُعيد فتح باب كان موصدًا منذ زمن بعيد.
صرح لها حبه بصراحة متأخرة. فاجأها، لكنها لم تغضب. كانت تتابع كتاباته وتعليقاته وتحاوره، وشيئًا فشيئًا أصبحا ثنائيًا ثقافيًا.
قالت له ذات يوم: *”تكتب بروح شاعر، لكنك تضعف لغويًا أحيانًا.”*
فردّ، كمن وجد خلاصه: *”كوني شريكتي، ساعديني، لا أريد النجاح وحدي.”*
وهكذا بدأت رحلة التعاون: قصص، مقالات، نصوص. كانت تلمّع جمله، وتضيف لمستهَا الخاصة. ازدهرت صفحته، كثر المعجبون، وأصبح أكثر حضورًا.
طلب منها أن يضع اسمها إلى جانبه، فقالت بخجل: *”يكفيني أنك تكتب… فأشعر وكأني أنا من يكتب.”*
تعلق بها أكثر، لكنه ظل يكرر: *”كنتِ جميلة في شبابك…”*
وكانت هذه الجملة تجرحها. أرادت أن يحبها كما هي، الآن، في هذا العمر، بهذا العمق، لا كذكرى قديمة.
قالت له ذات ليلة: *”إذا لم ترَ جمالي الآن، فلا فائدة من حديثك عن الماضي…”*
واستمرّا، رغم هذا الشرخ الصغير.
…وتوقفت الرسائل.
هو من بدأ بالعتاب، بكلمات قاسية لم يقصدها. أراد منها أن تبادله الحب كما في رواياته، أن تعترف له بشيءٍ صريح، لكنها اختارت الصمت، وهو لم يفهم أن صمتها أبلغ من الكلام.
مرت أيام، ثم أسابيع، ولم تأتِ منها أي رسالة.
وحين أدرك أنه أخطأ، كتب منشورًا مختلفًا عن كل ما سبق:
*”بعض الغياب لا يُلام عليه الغائب، بل من دفعه للغياب… من ظن أن الكلمات وحدها تكفي دون احتواء.”*
ثم بعث لها رسالة قصيرة:
*”سامحيني… فكل ما كتبته بعدك، بلا طعم. افتقدك في النص، وفي الفكرة، وفي التصحيح. افتقدك كإنسانة كانت تضيء اللغة والمعنى. عودي، ولا تكتبي شيئًا… فقط كوني هنا.”*
وأرفق مع الرسالة مسودة مقال غير مكتمل، وكتب في نهايته:
*”ملاحظاتك؟”*
ولأول مرة، لم يكن يقصد النص.
بل كان يقصد قلبه…
عزيز جبر/ العراق