بقلم ؛ ثامر الشمري
لم تعد الحرب بين إيران وإسرائيل مسألة محتملة، ولا جزءًا من حروب الظل، ولا حتى حربًا بالوكالة. في 13 يونيو 2025، تحولت نظرية “الردع المتبادل” إلى وهم، حين ضربت إسرائيل منشآت عسكرية وعلمية في عمق إيران. الرد الإيراني جاء غير مسبوق، مباشر، وشامل، ليس فقط من حيث الكمّ والنطاق، بل من حيث وضوح الرسالة: لا خطوط حمراء بعد الآن.
في غضون ثلاثة أيام فقط، تبدّلت قواعد الاشتباك، وتحرّرت المواجهة من قيد الإنكار. كل شيء بات مكشوفًا: الصواريخ، المسيّرات، الحروب السيبرانية، والغارات الجوية. ليس مجرد صراع حدودي، بل معركة ذات أبعاد إقليمية وعالمية، تلعب فيها القوى الكبرى أدوارًا صريحة بلا أقنعة.
معسكران عالميان على تخوم المعركة: انقسام حاد في الاستراتيجيا الدولية
المحور الشرقي – دعم سيادي لإيران
• الصين سارعت إلى الدفاع عن الموقف الإيراني، معتبرة أن الهجوم الإسرائيلي يتجاوز قواعد القانون الدولي، وربطت استقرار الخليج بأمن طريق الحرير ومصالحها الطاقية طويلة الأمد.
• روسيا منحت غطاءً سياسيًا كاملاً لطهران في مجلس الأمن، وربطت التصعيد الإسرائيلي بالحرب الغربية على محور المقاومة.
• باكستان قدّمت تأييدًا سياسيًا واضحًا، مؤكدة أن “السيادة الإيرانية خط أحمر”، في تعبير يعكس قلقًا عميقًا من تغوّل الحلف الإسرائيلي الأميركي في المنطقة.
• كوريا الشمالية رأت في التصعيد فرصة لإعادة تأكيد تحالفها التقني والأمني مع طهران، دون الحاجة للظهور المباشر في الساحة.
• مصر، رغم خطابها المتوازن، أظهرت مؤشرات انحياز هادئ نحو تثبيت الموقف الإيراني عبر مقاربات دبلوماسية هادفة إلى كبح التصعيد، دون مساندة فعلية لإسرائيل.
المحور الغربي – اصطفاف استراتيجي مع إسرائيل
• الولايات المتحدة دخلت على الخط بدعم سياسي وعسكري واضح لإسرائيل، مؤكدة التزامها المطلق بأمنها، وأطلقت تحذيرات شديدة ضد أي توسع إقليمي للرد الإيراني.
• بريطانيا فعلت آليّات التنسيق العسكري البحري في المتوسط، ورفعت لهجة خطابها مع إيران، في ترجمة لتقارب استراتيجي تقليدي مع تل أبيب.
• فرنسا، ورغم ترددها الظاهري، دعمت الرواية الإسرائيلية عن “الرد الدفاعي”، وطالبت بردع إيران، وسط مخاوف على مصالحها في الخليج ولبنان.
صراع الإرادات: بين التفوق التقني وشبكة النفوذ
المواجهة الحالية لا تقاس فقط بحجم القصف أو نوع السلاح، بل بطبيعة العمق الاستراتيجي لكل طرف.
• إسرائيل تملك تفوقًا نوعيًا في القدرات الجوية والتقنية، وهي مدعومة بنظام دفاعي غربي متقدم يجعلها في موقع هجومي دائم، دون أن تفقد بوصلتها الدبلوماسية في العالم الغربي.
• إيران تمتلك في المقابل شبكة نفوذ تمتد عبر قوس جغرافي واسع: من الخليج حتى شرق المتوسط، ومن اليمن حتى بحر قزوين، بما يجعلها قادرة على نقل المعركة إلى ما هو أبعد من حدودها.
اقتصاديًا، الطرفان يعتمدان على دعم خارجي: إيران على شراكات مع الصين وروسيا، وإسرائيل على مظلة تمويل وتسليح غربية. لكن الفارق أن إيران تبني معادلة صمود طويلة النفس، لا تعتمد على هشاشة الدعم بل على التوزيع الجغرافي للمواجهة، بينما إسرائيل تراهن على الحسم السريع تقنيًا وسياسيًا، دون إطالة أمد المعركة.
نهاية زمن الحروب المحدودة: الشرق الأوسط يدخل معركة إعادة التوازن الدولي
ما يحدث ليس مجرد اشتباك إيراني إسرائيلي، بل نقطة تحوّل في توازنات ما بعد 1948، حين تأسست إسرائيل تحت مظلة دولية أعادت تعريف الأمن الإقليمي من منظور واحد.
اليوم، تعيد إيران ومعسكرها صياغة منطق الردع عبر دمج الرد المباشر، الانتشار اللامركزي، والتكتيك طويل النفس. وهو ما يجعل المعركة الحالية مفتوحة على احتمالات أوسع من مجرد وقف إطلاق نار.
العالم يشهد في هذه اللحظة نهاية وهم الحروب “المضبوطة” في الشرق الأوسط. ما بدأ في يونيو 2025 لا يمكن احتواؤه بسهولة، لأنه لم ينفجر فجأة، بل كان يتخمّر في ظل اشتباكات الوكالة، ويتغذّى على صمت استراتيجي عالمي.
إنها معركة من أجل إعادة تعريف النظام الدولي، لا مجرد تصفية حساب بين خصمين تاريخيين