راجي سلطلن الزهيري
منذ أن دخل الهاتف الذكي حياتنا اليومية، تحوّل إلى سلاح ذي حدّين؛ فمن جهة سهّل التواصل ونقل المعلومات ومن جهة أخرى أصبح أداة في يد من يسعون لابتزاز الشخصيات العامة أو تشويه صورتها سواء كانت إعلامية أو فنية أو سياسية. لكن الأخطر من ذلك كله، أن يتحوّل الهاتف إلى “شماعة” جاهزة تعلَّق عليها كل فضيحة، سواء كانت حقيقية أم مفبركة.
في الأيام القليلة الماضية تصدّر اسم المحامية زينب جواد منصات التواصل بعد أن اتهمت هيئة الحشد الشعبي بنشر صور شخصية لها على الإنترنت عقب تحقيقٍ معها. هذا الاتهام الخطير أثار استغراب الرأي العام وأثار تساؤلات مشروعة حول توقيته وأهدافه، بل وحتى خلفيات من يروج له.
أولاً، من البديهي القول إن هذه ليست من أخلاقيات الحشد الشعبي، سواء كانت مؤسسة أمنية أو مكون اجتماعي ووطني كان له دور كبير في الدفاع عن البلاد خلال أصعب المراحل. من غير المعقول ولا المقبول أن ينحدر الحشد الى مستوى تسريب صور شخصية خصوصًا إذا كانت “عائلية وعادية” كما هو واضح من المحتوى الذي تم تداوله.
ثانيًا، علينا أن نتساءل: ما الفائدة التي سيجنيها الحشد من هكذا تصرّف؟ وهل يُعقل أن يعرض نفسه للاتهام والانتقاد من أجل صور لا تحمل أي طابع فضائحي أو تهديد أمني؟ الجواب المنطقي: لا. وهذا ما يعزز فرضية أن هناك من يقف خلف هذه القصة بهدف تشويه صورة الحشد، ضمن حملة ممنهجة يقودها إعلام خارجي وبعض الأصوات المدفوعة داخليًا.
اللافت أيضًا أن القنوات التي بدأت تروّج لهذه الادعاءات معروفة بانحيازها وتحاملها على الحشد الشعبي منذ سنوات، كما أن الضيوف الذين استُضيفوا للحديث عن هذه القضية لا يخفون مواقفهم العدائية المسبقة تجاه هذه المؤسسة. كل ذلك يضع علامات استفهام كثيرة حول دوافع هذه الضجة المفاجئة.
ومن باب الإنصاف، وبما أننا نتحدث عن المحامية زينب جواد، لا يمكن تجاهل التسجيل الصوتي الذي تم تداوله في وقت سابق والذي دار بينها وبين إحدى صديقاتها، وتضمّن ألفاظًا نابية وكلامًا لا يليق بمن تحمل صفة “محامية” يُفترض بها أن تكون قدوة في احترام القانون والأخلاق العامة. ذلك التسجيل الذي لم يتم نفيه بشكل واضح أو مقنع، يُسقط كثيرًا من الادعاءات التي تُروّج لها مؤخرًا، ويطرح تساؤلًا جوهريًا: من يُسيء إلى صورته أكثر؟ هل هو من يُفبرك له الآخرون أم من يتحدث بنفسه بكلام لا يتوافق مع أبسط معايير الذوق والمهنية؟
من ناحية أخرى، فإن هذه الاتهامات لم تعد جديدة أو مبتكرة. فقد سبقت المحامية المذكورة العديد من الفنانات العربيات، من مصر إلى الخليج، وادعين أن صورهن أو فيديوهاتهن “سُرقت” أو “تسربت أثناء التحقيق”، لكن سرعان ما كشفت الحقائق زيف هذه الادعاءات وتبيّن أن معظمها كان إما لتلميع إعلامي، أو للتهرب من فضيحة أكبر.
اليوم، على المتابعين أن يكونوا أكثر وعيًا فالجمهور العراقي لم يعد ساذجًا. يعرف تمامًا كيف تُصنع القصص، ومتى، ولماذا، ومن المستفيد منها. وفي زمن الانكشاف والشفافية، لم يعد ممكنًا خداع الناس بهكذا حيل مكررة ومكشوفة.
إن استسهال توجيه الاتهامات لمؤسسات وطنية بحجم الحشد الشعبي دون أدلة قاطعة، لا يسيء فقط للحشد بل يفتح بابًا خطيرًا لإضعاف الثقة بالمؤسسات الأمنية والقضائية. وهي محاولة خطرة على السلم الأهلي، يجب أن تواجه بقوة القانون ووعي الناس.
نحن بحاجة إلى صحافة مسؤولة وإعلام لا ينجرف خلف الدراما الرخيصة بل يلتزم بالدقة ويخضع كل ادعاء للتحقيق المهني، لا للشائعات المدفوعة.