سالم حواس الساعدي
مستشار قانوني واعلامي
تخصص دقيق عمليات وحرب نفسية
في ظل تصاعد وتيرة البرامج الحوارية التي تستنسخ نمط “الاشتباك العنيف” على غرار بعض النماذج الإعلامية المثيرة، كبرامج “الاتجاه المعاكس” أو ما يبث في بعض قنوات التوتر السياسي، بات من الضروري أن تتدخل الدولة بمؤسساتها القانونية والإعلامية والمهنية لوضع حد لهذا الانفلات المدروس في صياغة المحتوى، الذي لا يهدف إلى الحوار، بل إلى إذكاء الانقسام الطائفي، وتعزيز النعرات السياسية، واستثمار الفوضى لأغراض حزبية وانتخابية خطيرة.
أولًا: البُعد النفسي
من منظور علم النفس، فإن هذه البرامج تستند إلى:
• استثارة مناطق الغضب والانفعال في الدماغ، مما يحرّض الجمهور على التموقع الطائفي أو السياسي لا العقلاني.
• تعزيز “التفكير القبلي” القائم على الولاء للهوية لا للمبادئ.
• تثبيت “الاستقطاب المعرفي” (Cognitive Polarization) حيث يصبح المشاهد أكثر تشددًا في رأيه بدلًا من الانفتاح على النقاش.
وهذا يؤدي إلى تراكم مشاعر الحقد والتهديد والانتماء العميق لمشاريع الفرقة، وهي أعراض مدمّرة على المدى الطويل للسلم الاجتماعي.
ثانيًا: المسؤولية القانونية
بموجب القانون، للدولة الحق بل والواجب في:
• حماية السلم الأهلي، واعتبار التحريض العلني جريمة منصوص عليها في قوانين العقوبات والإعلام.
• إلزام المؤسسات الإعلامية بمدونات السلوك المهني، ومنع البرامج التي تُبث بنيّة الإضرار المتعمد بالعلاقات بين فئات الشعب.
• تنظيم البث الإعلامي وفقًا لقواعدالسلوك المهني والمدونات التي تشترط على البرامج احترام القيم الدستورية وعدم انتهاك الحقوق الجماعية للمجتمع.
وبذلك، فإن إصدار تعميم قضائي – إعلامي يفرض عقوبات على القنوات التي تُظهر اشتباكًا مفتعلًا بين الضيوف أو تُحرض على الكراهية، يُعد إجراءً مشروعًا وضروريًا.
ثالثًا: الرؤية المهنية
العمل الإعلامي لا يعني الحرية المطلقة، بل يتقيد بـ:
• ميثاق الشرف الصحفي الذي يحظر إثارة الفتن.
• أصول المناظرات المهنية التي تقوم على العرض والاحترام، لا على الشتم والمقاطعة والتهديد.
• واجب تقديم خطاب متزن للمواطن، لا خطاب صراخ يليق بساحات القتال لا بشاشات التحليل.
الإعلام المسؤول ليس حلبة مصارعة، بل مساحة لعرض وجهات النظر بعقلانية، وغياب الضوابط المهنية هو مساهمة ضمنية في انهيار ثقة المواطن بالدولة.
رابعًا: التوصيات
1. إصدار تعميم من هيأة الاعلام والاتصالات والادعاء العام و القضاء ا يمنع برامج التصادم المتعمد، ويعاقب القنوات التي تسمح بشتم الضيوف أو تحقيرهم وعدم احترام ذائقة المتلقي وتفويت الفرصة على من يتصيد ان يكون بطلاً في شاشات التلفاز على حساب المهنية والذوق والاداب العامة .
2. فرض غرامات مالية وتعليق البث المؤقت للمؤسسات المخالفة.
3. إلزام القنوات بتعيين مدراء حوار محترفين وذوي خلفية قانونية أو نفسية للرقابة على سير اللقاءات.
4. التنسيق بين وزارات الثقافة ونقابة الصحفيين والادعاء العام ومجلس القضاء الاعلى ووزارة ووزارة الداخلية لتوثيق أي خطاب يحمل بذور فتنة وإحالته للمساءلة القانونية .
5. إطلاق حملة وطنية توعوية تحث المواطنين على عدم الانجرار وراء خطاب الكراهية والرفض المطلق لتلفزة الفتن.
نقول :
ما لم تتخذ الدولة موقفًا صارمًا وحازماً تجاه هذه الظواهر الإعلامية التي تسعى لاختراق النسيج الاجتماعي، فإن النار التي تُؤجج على الشاشات ستطال في نهاية المطاف الجميع، وستُصبح “الحرية الإعلامية” شماعة يُعلق عليها مشروع خراب لا بناء.
احترام المواطن يبدأ من احترام وعيه، ومنع استباحة عقله بأسم الجدل الحر.