بقلم : ثامر الشمري
بين تصاعد الدخان وتبادل الضربات بين إيران وإسرائيل، تتوارى خلف الجبهات معركة من نوع مختلف: صراع اقتصادي شرس يضع ميزانيات الدولتين تحت المجهر، ويهدد بإعادة تشكيل معادلات النفوذ في المنطقة. هذه الحرب، وإن بدأت عسكرية، فإن استمرارها مرهون بقدرة الاقتصاد على الصمود لا بعدد الطائرات.
⸻
الحرب ليست فقط صواريخ بل أرقام واستنزاف اقتصادي
تكلفة الحرب لإسرائيل تُقدّر بنحو 725 مليون دولار يوميًا، وفق تقارير دفاعية، مع ضغوط إضافية على الميزانية العامة والعجز المالي.
في المقابل، تواجه إيران تحديات مزدوجة بين العقوبات الدولية والخسائر المباشرة للمنشآت النفطية والبنية التحتية.
⸻
كلفة الحرب تكشف عمق الجرح في ميزانيات الطرفين
إسرائيل تمتلك أدوات تمويل قوية تشمل المساعدات الأميركية والدخول إلى الأسواق المالية.
أما إيران، فرغم ضعفها المالي الظاهري، استطاعت تقليص اعتمادها على الخارج عبر نموذج اقتصادي ذاتي يؤمن الحد الأدنى من الاستقرار الإنتاجي.
⸻
إيران بين الاكتفاء الذاتي ومحدودية التمويل الخارجي
يعتمد الاقتصاد الإيراني على الاكتفاء الذاتي في الزراعة، والصناعات الأساسية، والطاقة.
ورغم تآكل احتياط العملات الأجنبية، ما تزال المؤسسات الإيرانية تعمل ضمن قدرة تشغيل داخلية تمنع الانهيار الفوري، لكن بمرونة مالية محدودة
⸻
إسرائيل تلعب بورقة الدعم الخارجي والنظام المالي المتطور
بفضل التكنولوجيا والعلاقات الدولية، تملك إسرائيل قدرة على الاستدانة الخارجية، وضمانات تمويل عالية، ما يمنحها مرونة أكبر على المدى القصير والمتوسط، رغم ارتفاع التكلفة اليومية للحرب وتباطؤ في بعض القطاعات الإنتاجية.
⸻
أسواق النفط والطاقة العالمية تحت الضغط
تداعيات الحرب تخطت حدود الإقليم، فارتفعت أسعار النفط فوق 85 دولارًا، مع تهديد مضيق هرمز الذي قد يرفع الأسعار إلى ما فوق 120 دولارًا.
الصين والهند أبرز المتضررين، فيما تحاول أوروبا احتواء التأثير من خلال احتياطاتها وتنويع مصادر الطاقة.
⸻
موازين الصمود تحكمها الأرقام لا الشعارات
رغم تفوقها المالي والتقني، فإن إسرائيل لا تملك اكتفاءً ذاتيًا شاملًا كما يبدو. اقتصادها يعتمد على قطاعات شديدة الحساسية مثل السياحة، والتكنولوجيا، والزراعة التي تعتمد على العمالة الأجنبية، ومع تصاعد الحرب شهدت هذه القطاعات شللًا جزئيًا.
خروج السكان إلى الملاجئ، وتعطل الأعمال في الشمال، ونزوح مؤقت لبعض السكان نحو الخارج، كلها عوامل أثرت على الإنتاجية وساهمت في تراجع الدخل الفردي والأُسري في بعض المناطق.
كذلك فإن اعتماد إسرائيل على تمويل خارجي قد يواجه تحديات، إذ أن استمرار الحرب قد يدفع بعض الدول أو المستثمرين إلى إعادة تقييم جدوى الإقراض أو الاستثمارات في ظل تصاعد المخاطر السيادية.
أما العملة الإسرائيلية (الشيكل)، ورغم بقائها مستقرة نسبيًا، فإن استمرار الحرب وارتفاع كلفة العمليات العسكرية قد يضغط عليها تدريجيًا إذا طالت الحرب أو توسعت جغرافيًا.
كل ذلك يضع إسرائيل أمام معادلة معقدة: قدرة تمويلية قوية مقابل بنية اقتصادية داخلية قابلة للتعطل تحت ضغط الحرب.
في المقابل، تعتمد إيران على نموذج اكتفاء ذاتي، ربما أقل فعالية، لكنه أكثر “اعتيادًا” على الظروف الصعبة، وهو ما قد يعطيها أفضلية نسبية في الصمود الطويل،
⸻⸻
الختام٩
في صراع الحرب الإيرانية الإسرائيلية، لا تحدد موازين القوة على الأرض فقط نتائج المعارك، بل يتداخل الاقتصاد في رسم ملامح المستقبل بشكل حاسم.
فمن يمتلك القدرة على الصمود المالي والإداري، ويضبط ميزانيته تحت ضغط الحرب، سيخرج منتصرًا ليس فقط على الجبهة العسكرية، بل في معركة الاستدامة والهيمنة الإقليمية.
الحرب قد تنتهي بأسلحة أو اتفاقات، لكن الاقتصاد هو الذي يكتب الفصل الأخير في قصة الدول