بين الأنقاض… خرج صوت الدولة

هيئة التحرير18 يونيو 2025آخر تحديث :
بين الأنقاض… خرج صوت الدولة

 

 

بقلم : ثامر الشمري

 

في مشهد لا يشبه نشرات الأخبار اليومية، اهتزّت شاشات إيران في لحظة صمت مهيبة حين بثّت كاميرات هيئة الإذاعة والتلفزيون (IRIB) لحظة سقوط صاروخ إسرائيلي على مبنى القناة، بينما كانت المذيعة سحر إمامي على الهواء.

 

تساقط الزجاج، وتكسّرت الكاميرات، وغمر الغبار المكان. ورغم ذلك، لم تتوقف النشرة. بعد لحظات قليلة، عادت سحر عبر استوديو بديل، يعلو الغبار على كتفيها، وصوتها يسبق الارتباك، وهي تقول: “ما زلنا هنا… نُبلغكم الحقيقة.”

 

لم تكن مجرد مذيعة تنقل خبراً؛ كانت رمزاً لصمود دولة تعرف كيف تحمي أدواتها. دولة أعادت تكريمها رسميًا، وسرعان ما أصبحت صورتها على الجدران والشاشات: إعلامية في وجه العدوان، صوت وطني فوق الركام.

 

في إيران، بُنيت القصة الإعلامية داخل عقل دولة، تتعامل مع مؤسساتها كأعمدة بقاء. فكرّمت من صمد، لأن صمودها كان جزءاً من رسالتها السياسية والدولية.

 

سُحب المايكرفون بهدوء

 

في محافظة عراقية تشهد منذ سنوات تجاذباً بين حكومة مركزية تحاول فرض هيبة الدولة، وأحزاب محلية متوغلة في مفاصل السلطة، اندلعت أزمة استمرت أسبوعًا بين الفريق الحكومي والإدارات المحلية المتهمة بالفساد.

 

خلال هذا الأسبوع العاصف، برز صوت إعلامي نسائي من داخل قناة رسمية، ينقل الموقف الحكومي بشجاعة. المذيعة لم تخفِ انحيازها للشرعية، لكنها لم تفتعل حربًا إعلامية. كانت تحلل، تفسّر، وتسأل. وظلت على الهواء كل يوم، رغم التهديدات والضغط.

 

لكنها لم تكسب الاحترام… بل خسرت الشاشة.

 

فبعد أن هدأ المشهد، جاء الرد غير المكتوب: سُحب المايكرفون منها، لا لخلل مهني، بل لأن رسالتها لم تَرضَ عنها قوى حزبية مؤثرة في تلك الساحة. لا بيان رسمي يشرح، ولا تكريم يذكّر. فقط إقصاء ناعم في أروقة قرارات مغلقة.

 

لم تُواجه قصفًا من طائرة، بل طعنة من الداخل.

 

وهنا يظهر الفارق الجوهري: دولة تُكافئ من يُجيد الثبات، ودولة تُعاقب من يثبت إن لم يصطفّ مع أصحاب النفوذ.

 

لا تصنع الأوطان بإسكات الشجعان

 

في إيران، منحت الدولة صورة إعلامية جسّدت المهنية والشجاعة، لتكون عنوانًا على مقاومة وطن. في العراق، أُطفئ صوت إعلامية لأنها اصطفّت مع الدولة في لحظة مواجهة فساد… فاختارت السلطة الحزبية أن تُبعدها، لا أن تكرّمها.

 

وهنا يُطرح السؤال على طاولة كل مسؤول عراقي:

هل نريد دولة تُبنى على مؤسسات تعرف من هو البطل؟ أم نريد سلطات تتناوب على إسكات من يكشف الحقيقة؟

 

في زمن الانهيارات، لا تحتاج الدولة إلى مزيد من الولاءات… بل إلى من يواجهون العاصفة وهم يحملون المايكرفون بثبات.

فالأوطان لا تنهض إلا حين تحتفظ بأبطالها، لا حين تودعهم خلف الكواليس

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل ...

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق