من سيتوّج بجائزة “نوبل الفساد”؟ العراق يحتفي بالرقم الصعب!
الحمد لله والشكر، بعد حصول العالم الفلسطيني على جائزة نوبل في مجال الكيمياء، يبدو أن العراق على موعد قريب مع تتويج مختلف: جائزة نوبل للفساد! ومبروك لكل السياسيين والمسؤولين العراقيين.
عندما تتحوّل معدلات الفساد إلى مؤشر تصاعدي لا يُبشّر بخير، يصبح التساؤل ليس “إنْ كان” بل “متى” يعلن هذا الفساد بطلاً لا يُقهر. في العراق اليوم، المشهد لا يحتاج إلى الكثير من الخيال: فساد مالي، إداري، سياسي، تنظيمي… شبه مؤسساتي بل مؤسساتي كامل. إذا كانت هناك “جائزة” لمن يستحق أن يُوصف بأنه أبرز من فسد، فالمرشّح الأول معروف، والمجال واسع.
فِساد يحتل الصدارة: درجات المؤامرة بين السياسة والاقتصاد
تربة مُعدّة مسبقًا: بعد 2003 تغيّرت المنظومة السياسية بالكامل، وتحولت الدولة إلى شبكة علاقات لتقاسم السلطة والمنافع، بلا محاسبة فعلية.
هيمنة المحاصصة السياسية والمذهبية: توزيع المناصب على أساس الانتماء أكثر منه الكفاءة أو الأهلية، ما يفتح باب المحسوبية والوساطة على مصراعيه.
عقود وهمية، هدر للمال العام، شراء ولاءٍ سياسي: تقارير تثبت أن الأموال التي تفقدها الدولة تتعدّى المليارات سنويًا بسبب عقود ملوّثة تفتقر إلى الشفافية والمراقبة.
مؤسسات مكافحة الفساد دون فاعلية كافية: هناك هيئات قانونية مختصة، مثل هيئة النزاهة، لكن ميزاتها كثيرة وحدودها أكبر. الحماية السياسية، تعطيل التحقيقات، أو تأجيل المحاكمات، كلها عوامل تُضعف الأداء.
من “يربح الجائزة” عمليًا؟
إذا كان الفساد مسابقة، فالفائز ليس شخصًا واحدًا، بل نظامٌ كامل يجمع الأدوار والشركاء:
1. النخب السياسية: الأحزاب وقادتها الذين يتقاسمون المناصب والثروات ويستخدمون السلطة لتأمين الولاء والحماية الذاتية.
2. المسؤولين التنفيذيين والإداريين: من الوزراء إلى الموظفين الأقل رتبة، جميعهم شركاء في شراء وبيع القدرة على النفوذ وتمرير العقود مقابل الرشاوى.
3. الأجهزة الرقابية والقضائية المُستضعفة: تلك التي يفترض أن تكون قوة ردعية، لكنها غالبًا تتعرض لضغوط سياسية، فتعمل ببطء أو تُعوق التحقيقات.
4. المجتمع المدني والإعلام: رغم استنكارهم، إلا أن غياب آليات فعالة للمشاركة والمتابعة يزيد من قوة من هم في السلطة، ويتيح لهم الازدهار دون مواجهة جدّية.
الأضرار المترتبة على “الجائزة”
انخفاض الثقة بالدولة: المواطن يرى أن القوانين مخصصة للآخرين، وأنه هو من يدفع الثمن بحياته أو بتدهور الخدمات.
تراجع التنمية والبنية التحتية: المشاريع تتأخر، الأموال تُصرف بلا متابعة، والمرافق تتدهور، والتعليم والصحة يعانيان.
هجرة الكفاءات واستنزاف المجتمع: الشباب والمهنيون يميلون إلى الرحيل أو الانسحاب، ما يفاقم ضعف القدرات الداخلية.
كيف يُوقف الفائزَ من التتويج؟
ليس المهم تحديد “من يستحق الجائزة” بقدر ما هو الأهم: العمل على إلغاء الجائزة بمكافحة الفساد بفعالية:
تعزيز استقلال القضاء: مع آليات واضحة لحماية المدّعين والمحققين والمبلغين عن الفساد.
شفافية مطلقة: نشر جميع البيانات المتعلقة بالعقود والمناقصات، تكاليف المشاريع، وأسماء المقاولين وسير العمل.
مساءلة سياسية حقيقية: تحمل المسؤولية من الأحزاب والنخب السياسية مع فرض عقوبات فعلية عند ثبوت الفساد.
دور فاعل للمجتمع المدني والإعلام الحر: متابعة ومراقبة الفساد، ونشر المعلومات، وتحفيز الرأي العام نحو المطالبة بالتغيير.
في عراق اليوم، لا يحتاج الأمر إلى خيال ليتخيل من سيُتوّج “بجائزة نوبل للفساد” — الفائز واضح: النظام السياسي الفاسد المنظم الذي استثمر في محاور عدم الشفافية، المحسوبية، والحماية الذاتية. السؤال الحقيقي ليس من الفائز، بل متى سيتمكن المواطن العراقي من التحرر من هذا الفساد، وكيف يمكن تحويل الفساد من واقع يومي إلى مجرد ذكرى، لا جائزة تُمنح له.