المرشح الذي يخدع الناس بشعارات رنانة ويتولى المنصب ثم يتحول إلى أداة فساد، هو مصداق حي للآية القرآنية:
﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ﴾
(البقرة: 205)
أولاً: البعد الشرعي والقيمي :
هذه الآية تصف نموذجاً بشرياً خطيراً:
شخص يظهر للناس بمظهر الصلاح، يتكلم بلسان الدين أو الوطنية أو الإصلاح، لكن ما إن يصل إلى موقع المسؤولية حتى يسعى في الأرض فساداً، ويهلك الحرث والنسل.
هذا النموذج القرآني ينطبق على كثير من السياسيين الذين يرفعون شعارات انتخابية رنانة ويستغلون عاطفة البسطاء، ثم يمارسون الرشوة، المحسوبية، ونهب المال العام.
ثانياً: البعد النفسي:
1. ازدواجية الشخصية:
هؤلاء المرشحون يعيشون حالة انفصام قيمي؛ حيث يقدمون صورة مثالية أمام الجمهور بينما دوافعهم الحقيقية قائمة على المنفعة الشخصية.
2. استغلال سذاجة الجمهور:
الخطاب العاطفي والشعاراتية تستهدف الفئات البسيطة نفسياً واجتماعياً، ما يجعلهم وقوداً لصعود الفاسدين.
3. التحول إلى الطغيان:
مع حصول المرشح على السلطة، تنكشف شخصيته الحقيقية، فتظهر نزعات السيطرة، التسلط، ونهب المال العام.
ثالثاً: البعد القانوني :
1. المسؤولية الجنائية:
الفساد والرشوة جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي العراقي والقوانين الدولية الخاصة بمكافحة الفساد.
2. المسؤولية الدستورية:
كل مرشح يتعهد أمام الشعب ببرنامج انتخابي، وإذا نكث وارتكب الفساد فقد خان مبدأ “العقد الاجتماعي” وأخلّ باليمين الدستورية.
3. المسؤولية المدنية:
الفساد يؤدي إلى إهدار المال العام، مما يستوجب ملاحقة الفاسد وإلزامه بالتعويض.
رابعاً: البعد القضائي :
القضاء في أي دولة ومنها العراق هو الضامن لردع هذه النماذج، عبر:
• تفعيل قوانين النزاهة:
لمحاسبة المرتشين والفاسدين.
• استقلال القضاء:
لمنع التسييس والتدخل في محاسبة المسؤولين.
• المساءلة الشعبية:
بفتح قضايا أمام المحاكم من قبل مؤسسات المجتمع المدني الشريفة ضد أي مسؤول يثبت فساده.
خامساً: البعد الانتخابي والسياسي :
• المرشح الذي يخدع الناس بشعارات رنانة ثم يتحول إلى أداة فساد، هو مصداق حي للآية القرآنية.
• خطورة هذا النموذج لا تكمن فقط في شخصه، بل في الناخب الساذج الذي منحه صوته بلا وعي.
• بالتالي، الإصلاح الحقيقي يبدأ بوعي الناخب، حتى لا يكون شريكاً في صناعة الفساد.
المستخلص القرآني والنفسي والقانوني :
الآية الكريمة ليست وصفاً تاريخياً كما يتوهم البعض بل تحذيراً خالداً:
كل من يتولى منصباً ثم يسعى في الأرض فساداً هو مصداق لها.
والمرشح الذي يرفع الشعارات البراقة ثم ينهب المال العام إنما خان الأمانة وخدع الأمة.
لذا، فإن المسؤولية مشتركة بين القانون والقضاء من جهة، والوعي الشعبي من جهة أخرى، حتى لا يبقى الفاسدون يفسدون ويهلكون الحرث والنسل باسم الديمقراطية .
سالم حواس الساعدي
مستشار إعلامي وقانوني
تخصص دقيق عمليات وحرب نفسية
جامعة بغداد