التعليم بين الواقع المرير وصورة افتتاح الاحتفالية
بقلم : الدكتور أرشد الزهيري
مع كل عام دراسي جديد، يتجدد الأمل في أن يشهد التعليم العراقي نقلة نوعية تضعه في مساره الصحيح، لكن سرعان ما تتبدد الأحلام أمام واقع مرير، خاصة في المناطق الريفية والنائية التي غالباً ما تكون بعيدة عن أنظار واهتمامات المسؤولين.
ففي تلك المدارس، ما يزال المشهد يتكرر: بنايات متهالكة، ودوام مزدوج وربما ثلاثي، ونقص واضح في القرطاسية والوسائل التعليمية، فضلاً عن الكتب الممزقة أو غير المتوفرة على الرغم من الأموال الطائلة التي تُرصد سنوياً لطباعة المناهج. أما بعض إدارات المدارس، فبدلاً من الحرص على تطوير التعليم الحكومي، نجدها تميل إلى توجيه جهودها نحو التعليم الأهلي، ما يعمّق الفجوة ويضعف الثقة بالتعليم العام.
وعلى الرغم من هذا الواقع، جاءت انطلاقة العام الدراسي الجديد بمشهد احتفالي مألوف؛ حيث اختار السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني افتتاح الدراسة في مدرسة الصدرين النموذجية، متجاوزاً المدارس الريفية التي تعكس المعاناة الحقيقية. وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا لم يتم اختيار مدرسة منسية في أطراف البلاد لتكون شاهداً على الوجع الحقيقي؟
المفارقة أن السيد السوداني نفسه قال ذات مرة إن “الإعلام لا ينقل الحقيقة”. غير أن الحقيقة أوضح من أن تُخفى: مدارس تعاني، طلاب يتكدسون في صفوف مكتظة، ومناهج تقادمت حتى صارت فجوة بينهم وبين العالم المتطور.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة إلى إصلاح جذري في المنظومة التعليمية، يبدأ من:
• معالجة الدوام الثلاثي والازدحام في الصفوف.
• تحديث المناهج الدراسية بما يواكب التقدم العلمي والتقني.
• إدخال الوسائل الحديثة مثل الأجهزة اللوحية والحواسيب لتكون مكملاً للكتب الورقية.
• إضافة مواد جديدة مثل التربية الإعلامية والرقمية ومادة الابتكار، أسوة بتجارب دولية ناجحة.
• تأهيل الملاكات التعليمية عبر دورات وورش تدريبية تواكب أساليب التدريس الحديثة.
التعليم لا يمكن أن يبقى أسير التلقين والحفظ المؤقت؛ المطلوب صناعة جيل واعٍ قادر على التفكير النقدي، حل المشكلات، والإبداع في مواجهة تحديات الحياة.
لذلك، تبقى الآمال معلّقة على الملاكات التربوية المخلصة التي تدرك أن رسالتها إنسانية قبل أن تكون وظيفية. فالتعليم هو حجر الأساس لأي نهضة، ومن دونه لا مستقبل لأي وطن.