الجيل الهش بين الواقع والنرجسية

حسين صادق26 أغسطس 2025آخر تحديث :
الجيل الهش بين الواقع والنرجسية

الجيل الهش بين الواقع والنرجسية

 

يشهد الجيل الحالي ظاهرة لافتة تتعلق بسرعة الانهيار النفسي أمام التحديات مقارنة بالأجيال السابقة. وهي ما يُصطلح عليه في علم النفس المعاصر بالهشاشة النفسية. هذه السمة لا تعني الضعف المطلق بل تكشف عن بنية داخلية هشة تجعل الفرد أكثر عرضة للانكسار عند مواجهة الإخفاق أو النقد. وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن هذه الظاهرة تتسع بشكل متسارع بين الشباب حتى أن الجمعية الأمريكية لعلم النفس أشارت في تقريرها الأخير إلى ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب بين جيل الألفية وما بعده بنسبة تتجاوز 25% عن الأجيال السابقة.

 

من أهم الأسباب الكامنة وراء ذلك ما يسميه الباحثون بالفراغ العاطفي. إذ أدى ضعف الترابط الأسري والاجتماعي إلى جعل الشباب يفتقدون شبكة دعم حقيقية تعينهم على مواجهة الأزمات. هذا النقص غالبًا ما يتم تعويضه عبر الفضاء الرقمي. لكن وسائل التواصل الاجتماعي لا تقدم دعمًا حقيقيًا بل تضع الفرد في دائرة لا تنتهي من المقارنة مع الآخرين فيعيش حالة دائمة من الشعور بالنقص. دراسة نشرت في Journal of Adolescence عام 2021 أكدت أن الاستخدام المفرط لهذه الوسائل يضاعف مستويات الحساسية للنقد ويقلل من تقدير الذات مما يزيد من احتمالية الانهيار النفسي عند مواجهة الأزمات.

 

يضاف إلى ذلك بروز سمات نرجسية متزايدة عندالبعض من الجيل الجديد. حيث يتمحور الاهتمام حول الصورة الخارجية والبحث عن الإعجاب أكثر من الاهتمام بتطوير العمق الداخلي. النرجسية هنا ليست مجرد ثقة طبيعية بالذات بل حالة مرضية تجعل الشخص ينهار سريعًا إذا لم يحصل على القبول أو التصفيق من الآخرين. أبحاث علم النفس الاجتماعي خلال العقد الأخير أظهرت أن معدلات النزعة النرجسية ارتفعت بوضوح بين فئة الشباب وهو ما يفسر ضعف المرونة العاطفية وصعوبة تكوين علاقات متوازنة.

 

الفلاسفة اعتبروا عبر التاريخ أن قوة الإنسان تكمن في قدرته على الاعتدال وضبط الانفعالات. وهي مهارة تبدو شبه غائبة عند الكثير من أفراد الأجيال الحديثة. فبينما اعتاد السابقون على مواجهة الفشل باعتباره تجربة تعليمية نجد أن الجيل الجديد يتعامل معه ككارثة وجودية تهدد صورته أمام نفسه والآخرين. هذا التحول يعكس خللًا عميقًا في التربية حيث غلب التركيز على الإنجاز الفردي والنتائج السريعة بدلًا من بناء الصبر والتحمل.

 

إن مواجهة هذه التحديات تستدعي إعادة بناء المنهجية التربوية الأسرية والمجتمعية على أسس جديدة. تبدأ من تعزيز الروابط العاطفية بين الوالدين والأبناء وتوفير بيئة تسمح بالتعبير الحر عن المشاعر دون خوف من النقد. كما يجب أن تتحول المدرسة إلى فضاء يعلم مهارات الحياة والمرونة العاطفية إلى جانب المعرفة الأكاديمية. برامج التثقيف النفسي والاجتماعي يجب أن تتضمن تدريبًا على إدارة الانفعالات وتقبل الفشل والتعاطف مع الذات. وهي مهارات أثبتت الدراسات في علم النفس الإيجابي APA 2022 أنها تقلل من معدلات الانكسار النفسي وتعزز القدرة على الصمود.

 

إذا ما تحققت هذه الإصلاحات بشكل متكامل فإن الأجيال القادمة ستتمكن من استعادة التوازن النفسي الذي فقدته وستكون أكثر قدرة على مواجهة أعباء الحياة دون أن تقع فريسة للانهيار السريع أو الانغلاق النرجسي. وهنا يتضح أن علاج الأزمة لا يكمن فقط في فهمها بل في صياغة مشروع تربوي واجتماعي جديد يحمي الداخل الإنساني من التفكك ويعيد إلى الفرد صلابته الداخلية.

 

الفريق الدكتور

سعد معن الموسوي

رئيس خلية الإعلام الأمني

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل ...

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق