بغداد/ تميم الحسن
يكثّف نواب شيعة، أغلبهم من الفصائل المسلحة، الضغط لتمرير قانون “الحشد الشعبي” في البرلمان، رغم التحذيرات الأميركية.
ويأتي هذا الضغط بعد فترة هدوء بدا أن هؤلاء اقتنعوا خلالها بتأجيل طرح القانون، قبل أن يزور مسؤول إيراني رفيع بغداد قبل أيام.
القانون المطروح يمنح “مقاتلي الحشد”، البالغ عددهم نحو 300 ألف عنصر، استقلالية مالية وأمنية عن باقي مؤسسات الدولة.
وقال هادي العامري، زعيم منظمة بدر، إنه سيدخل البرلمان بـ”زي الحشد وفاءً للشهداء والجرحى والمرجعية الرشيدة”، في إطار تحشيده لتمرير القانون المعلّق.
وأشار العامري، وهو قائد أكبر فصيل داخل الحشد، في تغريدة، إلى أن “البرلمان أمام اختبار وتحدٍ تاريخي كبير لإقرار قانون الحشد الشعبي بعيداً عن أي تأثيرات داخلية أو خارجية”.
ويرى سياسيون أن علي لاريجاني، مستشار الأمن القومي الإيراني الذي زار العراق الأسبوع الماضي، كان وراء التحشيد الأخير – يعتقد ان المسؤول الايراني كان وراء تهديدات حزب الله اللبناني بالحرب إذا جرى نزع سلاحه، بعد انتقاله مباشرة من بغداد إلى بيروت-
وتقول أطراف سياسية شيعية إن الضغط لتمرير القانون “قرار عراقي”، لكن زيارة لاريجاني طرحت كثيراً من الأسئلة.
الرجل القريب من المرشد علي خامنئي – كان حتى أسابيع قليلة بمنصب مستشار له – اطلع على “خلافات حادة” داخل القوى الشيعية بشأن “ملف الفصائل”، وفق مصادر مطلعة.
ورجحت تلك المصادر أن تتصاعد التوترات بين قوى “الإطار التنسيقي”، التي تمتلك معظمها أجنحة مسلحة، بعد انتهاء مراسم “أربعينية الإمام الحسين”. انتهت قبل أيام.
وأكدت بغداد وطهران أن زيارة لاريجاني كانت تتعلق بتوقيع اتفاقية لضبط الحدود بين البلدين، جرى تخفيفها إلى “مذكرة تفاهم” بعد اعتراضات أميركية.
الانقسام..
سياسي قريب من “الإطار التنسيقي” أوضح لـ(المدى) طبيعة الانقسام بشأن “أزمة الحشد”.
وقال إن “هناك معسكرين متضادين داخل الإطار؛ الأول يريد تحدي الاعتراضات الأميركية، والثاني يخشى التعرض لعقوبات أو ضربات عسكرية”.
تبدأ الولايات المتحدة مطلع أيلول المقبل، وبموجب اتفاقية سابقة مع الحكومة العراقية، بإجلاء قواتها من بغداد والأنبار باتجاه إقليم كردستان، في ظل توقعات باندلاع حرب جديدة بين إيران وإسرائيل.
وترى واشنطن ولندن أن مشروع القانون سيزيد من نفوذ إيران في العراق.
وكشف وزير الخارجية حسين فؤاد، عن اعتراضه داخل الحكومة على “توقيت” إرسال القانون إلى البرلمان، معتبراً أنه “توقيت خاطئ”.
وأكد في مقابلة تلفزيونية، أن الحوار مع الفصائل لنزع السلاح أفضل من فرضه بالقوة، وهو ما ينسجم مع موقف المعسكر المعتدل داخل “الإطار التنسيقي”.
من جهته يقول النائب محمد الزيادي، من كتلة “منتصرون” المتحالفة مع رئيس الحكومة محمد السوداني، لـ(المدى) عن آلية تمرير القانون المثير للجدل: “علينا إقناع واشنطن بتمرير قانون الحشد عبر الحوار، كما نفعل مع الشركاء في الداخل المعترضين على المسودة”.
وبحسب “قوى الفصائل” في البرلمان، فقد جُمعت تواقيع أكثر من 100 نائب لتمرير القانون، رغم تعطّل الجلسات منذ أسبوعين.
الرد: العودة إلى الحصار
بموازاة ذلك يقدّم الباحث السياسي أحمد الياسري، المقيم في أستراليا، سيناريوهات “مقلقة” في حال تمرير “قانون الحشد”.
يقول الياسري لـ(المدى): “إذا أُقر القانون، سيعزز فكرة أن العراق بات ضمن السياق الإيراني. العراق ليس دولة كبرى مثل الصين أو روسيا أو تركيا، وتحالفه مع إيران لن يمر مرور الكرام”.
ويرجّح أن تسمح واشنطن لإسرائيل باستهداف مواقع كبيرة في العراق “بحجة وجود الفصائل”، مبيناً أن هناك “فيتو أميركياً غير معلن” منذ عهد الرئيس السابق جو بايدن يمنع إسرائيل من ضرب العراق.
يشار إلى أن وزير الخارجية العراقي كشف في وقت سابق، عن إحباط هجمات إسرائيلية وشيكة بتدخل أميركي.
ويرى الياسري، وهو رئيس “المركز العربي-الأسترالي للدراسات الاستراتيجية”، أن الولايات المتحدة “لن تعترض على آلية تشريع القانون لأنه صدر عن البرلمان بطريقة ديمقراطية، حتى لو كان ضد مصالحها، لكنها ستوجّه نتنياهو لضرب العراق. حينها لن تحمي إيران بغداد ولا الفصائل، وسيُجبر العراق على الخضوع للشروط الأميركية”.
ويضيف أن واشنطن قد تلجأ أيضاً إلى “عقوبات مالية قد تسقط أي حكومة عراقية، أو فرض عزلة إقليمية تعيد بغداد إلى أجواء الحصار في التسعينات”.
وكان المتحدث باسم الخارجية الأميركية مايكل ميتشل قد صرّح بأن “فرض عقوبات اقتصادية على العراق أمر مرجّح إذا أُقر القانون”، في إطار حملة “الضغط الأقصى على إيران”، مؤكداً أن “الرئيس الأميركي دونالد ترامب لن يتردّد في اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد أي دولة أو كيان يتعامل بشكل غير قانوني مع إيران”.
ويحذر الياسري من أن “الجميع في العراق انشغل بردود الفعل الأميركية، بينما لم يتساءل أحد عن تداعيات تمرير هذا المشروع. هذا القانون حرفياً سيدمّر البلاد، وسيكون بداية النهاية بتوقيع قوى الإطار التنسيقي، لأنه سيكرّس التبعية ويعزز سيطرة الكيانات المسلحة على الدولة”.
وتتضمن مسودة القانون 18 مادة، تتيح للحشد الشعبي “بناء مؤسسة عسكرية متكاملة من حيث التسليح والتجهيز والتدريب”، وإنشاء “أكاديمية الحشد الشعبي” التي تمنح شهادة بكالوريوس في العلوم العسكرية.
وتنص على أن مهمة الحشد هي “حماية النظام الدستوري والديمقراطي في العراق، والدفاع عن وحدة وسلامة أراضيه، ومكافحة الإرهاب”.
كما وصفت عناصر الهيئة بـ”المجاهدين” الذين سيتم تجهيزهم بأحدث التكنولوجيا العسكرية، ومنحهم صلاحية “تقديم المشورة للحكومة في القضايا المرتبطة بالأمن الوطني”.