يشكل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2250 لعام 2015 لحظة فارقة في الاعتراف الدولي بأهمية الدور المحوري الذي يضطلع به الشباب في الوقاية من النزاعات وتعزيز الأمن المجتمعي فقد جاء القرار استجابة لتحولات عالمية فرضت إعادة التفكير في أدوات السلم الأهلي وأكد على خمسة محاور مركزية هي المشاركة والحماية والوقاية والشراكة وإعادة الإدماج وهو بذلك ينقل الشباب من هامش الضحية إلى مركز الفاعلية ويطرح تصورًا جديدًا للأمن قائمًا على العدالة والاندماج
في السياق العراقي تبدو هذه الرؤية الأممية قابلة للتطبيق الواقعي ضمن ما تشهده البلاد من تحولات في سياسات الأمن الوطني إذ لم يعد الأمن محصورًا في أدوات الردع التقليدي بل أُعيد تعريفه ليشمل الإنسان بوصفه ركيزة السيادة وعماد الاستقرار وهنا تبرز أهمية مواءمة القرار الدولي مع السياق المحلي من خلال توظيف المرجعيات الاجتماعية والدينية التي تمثل حوامل معنوية ومجتمعية عميقة قادرة على تحويل المبادئ المجردة إلى سلوك جمعي مقبول وفاعل
ومن هذا المنظور تتلاقى مضامين القرار الأممي مع الخطاب الإصلاحي المستمر الذي تقدمه المرجعية الدينية العليا في العراق والتي كانت ولا تزال تُعبّر عن رؤية وطنية جامعة تنطلق من المصلحة العامة وتعلي من شأن السيادة والاستقرار الداخلي ، فقد دعت المرجعية في مناسبات متكررة إلى ضرورة مكافحة الفساد واعتماد النزاهة وتحقيق العدالة الاجتماعية وهي قيم تشكل أساسًا لبناء الثقة بين الدولة والشباب وتفكيك اية بيئة ممكن ان تؤدي إلى التطرف والعنف
وفي ذات الإطار جاءت دعوات المرجعية المستمرة لتقوية الدولة كمؤسسة جامعة للجميع ورفض كل أشكال التدخل الخارجي باعتبارها مدخلًا أساسيًا لحماية الإرادة الوطنية وهذه الرؤية الأخلاقية تنسجم مع البند المتعلق بالحماية في القرار 2250 الذي يؤكد على أهمية الوقاية من النزاعات لا من خلال الأمن العسكري فقط بل عبر بناء منظومات اجتماعية متماسكة تصون الشباب من التجنيد والاستغلال السياسي أو الأيديولوجي
أما على مستوى الدولة فقد شهد عام 2025 تحولًا نوعيًا في مقاربة ملف الشباب حيث أطلقت رئاسة الوزراء عددًا من المبادرات بالشراكة مع وزارة الشباب والرياضة ومؤسسات حكومية أخرى تهدف إلى إدماج الشباب في بيئات التنمية وصناعة القرار وتعزيز ثقافة الحوار والتماسك الاجتماعي وتوفير أطر دعم متكاملة تسهم في الوقاية من التطرف وتغذية الشعور بالانتماء والمواطنة وهذا التوجه يعكس إرادة سياسية تندمج مع روح القرار الأممي وتستفيد من رصيد المرجعية الأخلاقي في بناء مشروع أمني لا يستند إلى القوة وحدها بل إلى بناء الإنسان
تؤكد التجارب الدولية أن فاعلية القرارات الأممية في البيئات الهشة تعتمد بدرجة كبيرة على وجود وسيط محلي موثوق يملك الشرعية والقدرة على التأثير وهنا تبرز المرجعية بوصفها قوة معنوية ذات أثر واسع في المجتمع العراقي يمكنها أن تلعب دورًا تكامليًا في دعم تنفيذ هذه القرارات بما يتناسب مع الخصوصية الدينية والثقافية والاجتماعية فهي تمثل حلقة وصل فريدة بين القيم الدينية والأهداف التنموية العالمية دون أن تمارس دورًا تنفيذيًا مباشرًا بل عبر التوجيه الأخلاقي والتحفيز المجتمعي
وإذا كانت الاستراتيجية الوطنية للأمن قد بدأت بإعادة قراءة التحديات العراقية من منظور شمولي فإن تفعيل القرار 2250 في العراق لا يكون مجرد إجراء مؤسسي بل رؤية متكاملة تتطلب تكافل الجهود بين مؤسسات الدولة ومرجعيات المجتمع في إطار تحالف وطني متين تتوزع فيه المسؤوليات بين من يملك السلطة الرسمية ومن يملك الشرعية الرمزية وبهذا التكامل يمكن للعراق أن يتحرك نحو نموذج خاص في صناعة أمنه يتماهى مع المنظومة الدولية لكنه ينبثق من إرادته الذاتية ويعكس تنوعه الثقافي وموروثه الديني
الأمن ليس مجرد غياب للعنف بل هو حضور للعدالة والمشاركة وهو ما يؤكده القرار 2250 وما تسعى إليه المرجعية الدينية من خلال خطابها القيمي وما تعمل عليه الحكومة العراقية في برامجها التنموية لتحويل هذا التلاقي الثلاثي بين القرار الدولي والخطاب المرجعي والإرادة السياسية إلى مشروع وطني تشاركي وهي خطوة ناضجة سيكون فيها البلد قادرًا على الانتقال من مرحلة الاستجابة إلى مرحلة الريادة في صناعة السلام المستدام الكامل
اللواء الدكتور
سعد معن
رئيس خلية الإعلام الأمني