«منطقة ترامب الاقتصادية»… محاولة أميركية لتفكيك لبنان عبر البوابة الجنوبية

حسين صادق25 أغسطس 2025آخر تحديث :
«منطقة ترامب الاقتصادية»… محاولة أميركية لتفكيك لبنان عبر البوابة الجنوبية

«منطقة ترامب الاقتصادية»… محاولة أميركية لتفكيك لبنان عبر البوابة الجنوبية

 

 

حسين مرتضى

 

 

تتحرّك الولايات المتحدة مجدّداً على الساحة اللبنانية، هذه المرة عبر ما سُمّي بـ”المنطقة ترامب الاقتصادية” على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة. المشروع الذي يُسوّق على أنه خطوة لإعادة إعمار وتنمية الجنوب، يحمل في جوهره أهدافاً أبعد بكثير من الجانب الاقتصادي، إذ يسعى إلى ضرب صميم معادلة الردع التي حمت لبنان لعقود، وإخضاعه لمعادلات أمنية وسياسية جديدة تخدم الكيان الصهيوني. فما حقيقة هذا الطرح؟ وكيف ينعكس على لبنان دولةً ومجتمعاً واقتصاداً؟

 

أولاً: خلفيات المشروع وأبعاده

المبادرة الأميركية تأتي بعد إخفاقات متكرّرة:

 

 

الفشل العسكري في كسر المقاومة رغم الحروب المتكررة.

العجز السياسي عن جرّ الدولة اللبنانية لمواجهة مباشرة مع حزب الله.

انهيار “ورقة برّاك السابقة” التي عجزت عن جذب لبنان نحو نزع السلاح.

من هنا، جاء الطرح الجديد كخطة معدّلة، تُقدَّم في ثوب اقتصادي استثماري، لكن مضمونها أمني ـ سياسي بامتياز. إذ يشترط نزع سلاح المقاومة مقابل انسحاب “إسرائيلي” محدود وضخ أموال خليجية لإعمار الجنوب.

 

ثانياً: التأثير على السيادة اللبنانية

المشروع يُدخل لبنان في مقايضة خطيرة: سيادته مقابل أموال مشروطة.

 

 

الجيش اللبناني يُطلب منه لعب دور أمني مباشر ضدّ المقاومة، ما يعني تحويله إلى أداة داخلية بدل أن يكون مؤسسة وطنية جامعة.

الحكومة اللبنانية تُدفع للتماهي مع الشروط الأميركية بذريعة “الحفاظ على الدعم الدولي”.

القرار السيادي يصبح مرتهناً بالولايات المتحدة التي تحتكر مفاتيح التمويل والاستثمار.

بهذا، يتحوّل لبنان من بلد حرّ تحميه معادلة المقاومة إلى بلد خاضع للابتزاز السياسي والاقتصادي.

 

ثالثاً: التأثير على الاقتصاد اللبناني

 

 

لبنان يعيش انهياراً مالياً غير مسبوق، مما يجعل أيّ وعود استثمارية مغرية للطبقة السياسية ولشرائح واسعة من الناس. لكن هذا الانفتاح ليس بريئاً:

الأموال الموعودة ليست تنمية حقيقية، بل مشروطة بقرارات سياسية تمسّ جوهر الأمن الوطني.

ربط الجنوب بمشاريع اقتصادية بوصاية أميركية ـ خليجية يعني تجزئة الاقتصاد اللبناني وجعل مناطقه خاضعة لإملاءات متناقضة.

المشروع يحوّل الإعمار من حق طبيعي للشعب اللبناني إلى أداة ضغط وابتزاز سياسي.

 

رابعاً: الانعكاسات الاجتماعية والسياسية

المشروع يستهدف النسيج الداخلي اللبناني:

 

 

في الجنوب: يوجَّه مباشرة إلى أبناء المنطقة الأكثر تضرراً من الحروب، في محاولة لإيجاد فجوة بينهم وبين المقاومة، عبر تصوير السلاح كعائق أمام “الازدهار”.

على المستوى الوطني: يفاقم الانقسام بين من يرى في المقاومة ضمانة للسيادة، ومن قد يُغريه الوعد بالاستثمارات.

خطر الفتنة: عبر دفع الجيش أو بعض القوى السياسية إلى صدام مع المقاومة، بما يهدد السلم الأهلي.

 

خامساً: التأثير الأمني والاستراتيجي

 

 

وقف الضربات الإسرائيلية “غير الملحّة” ليس ضمانة للبنان، بل ذريعة لاستمرار العدوان متى شاء الاحتلال.

تجريد لبنان من سلاح المقاومة يجعله مكشوفاً أمام الأطماع الإسرائيلية في المياه والغاز والأراضي.

الجنوب سيتحوّل من قاعدة دفاعية متينة إلى منطقة رخوة قابلة للاختراق والتطبيع الأمني والاقتصادي.

 

سادساً: خطر التطبيع الاقتصادي

أخطر ما في المشروع أنه يؤسس لـ”تطبيع مقنّع”:

 

 

قد يدخل المستوطنون الإسرائيليون إلى الأراضي اللبنانية بذريعة التبضع أو التجارة.

الحدود قد تتحوّل إلى معبر تجاري يخترق السيادة الوطنية تحت لافتة “المنطقة الاقتصادية”.

ذلك يضع لبنان في قلب عملية دمج قسري في الاقتصاد الإسرائيلي، بما يهدد هويته الوطنية ويكرّس التبعية.

 

سابعاً: السيناريوات المستقبلية للبنان

 

 

1 ـ في حال قبول المشروع:

لبنان يخسر سلاح المقاومة، ويصبح مكشوفاً أمنياً.

الجنوب يتحوّل إلى “منطقة رخوة” مرتبطة بالعدو.

الاقتصاد اللبناني يزداد تبعية للخارج، وتتعزز الانقسامات الداخلية.

2 ـ في حال رفض المشروع:

سيستمرّ الضغط الأميركي المالي والسياسي، وربما يتصاعد.

لكن لبنان يحافظ على معادلة الردع ويحمي حدوده وسيادته.

المقاومة تبقى عنصر توازن، ما يمنع تحويل الجنوب إلى حزام أمني جديد.

“المنطقة ترامب الاقتصادية” ليست خطة إنمائية، بل مشروع هيمنة جديد يستهدف لبنان في عمقه: سيادته، اقتصاده، ووحدته الداخلية. ما يُعرض كفرصة استثمارية هو في حقيقته محاولة لإعادة إنتاج الحزام الأمني القديم بوسائل ناعمة.

لبنان اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يرضخ ويخسر سلاحه وسيادته مقابل وعود زائفة، أو أن يتمسك بخيار المقاومة، الذي أثبت على مدى العقود أنه الضمانة الوحيدة لحماية الأرض والشعب.

فالجنوب الذي تحرّر بالدم لن يُباع بالدولار، والمقاومة التي صانت لبنان من الاحتلال والفتنة، قادرة على إفشال كلّ محاولة لجرّه إلى مشاريع التبعية والتطبيع.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل ...

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق