مصير البشرية بين الخوارزميات والقرار الإنساني

حسين صادق27 سبتمبر 2025آخر تحديث :
مصير البشرية بين الخوارزميات والقرار الإنساني

مصير البشرية بين الخوارزميات والقرار الإنساني

شهد مجلس الأمن الدولي جلسة نوعية تحت عنوان لافت لا يمكن ترك مصير البشرية للخوارزميات وقد عكست هذه الجلسة إدراكًا متزايدًا لحجم التحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على مستقبل الأمن والسلم الدوليين فمع التوسع في إدخال الخوارزميات إلى مجالات حيوية كالمراقبة والتحليل الاستخباراتي وصنع القرار العسكري والسياسي يبرز السؤال المحوري هل يمكن الاعتماد على الآلة لاتخاذ قرارات مصيرية تتعلّق بحياة البشر

إن جوهر النقاش يدور حول قدرة الخوارزميات على معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة تفوق العقل البشري لكنها في الوقت نفسه تبقى حبيسة ما تغذى به من معلومات ومعايير فإذا كانت هذه البيانات منحازة أو ناقصة فإن القرارات الناتجة عنها ستكون بدورها محملة بالتحيز أو معرضة للخطأ وهذا يثير إشكالية المساءلة من يتحمل المسؤولية عندما تؤدي خوارزمية ما إلى نتائج كارثية هل هو المبرمج أم الدولة التي تعتمدها أم النظام الدولي الذي سمح بانتشارها دون ضوابط

إضافة إلى ذلك فإن بعض النماذج المعتمدة في الذكاء الاصطناعي تعمل كصناديق سوداء يصعب تفسير منطقها الداخلي ما يضعف الشفافية ويجعل الرقابة شبه مستحيلة في سياق الأمن الدولي حيث أي خطأ قد يقود إلى نزاع مسلح أو استهداف مدنيين تصبح هذه الثغرات خطيرة للغاية ومن هنا جاء التشديد في مداخلات الجلسة على ضرورة أن يظل الإنسان حاضرًا في دائرة القرار لا مجرد شاهد على توصيات آلية مغلقة

لكن من جهة أخرى لا يمكن إنكار القيمة العملية للذكاء الاصطناعي إذ يمتلك قدرة استثنائية على تحليل كميات هائلة من المعطيات التي قد يتعذر على البشر التعامل معها بالسرعة والدقة المطلوبتين ومن هذا المنظور يصبح الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة ورافدًا للقرار البشري شرط أن يظل الأخير هو الحكم النهائي

أمام هذا الواقع يبدو أن الموقف الأمثل ليس رفض الخوارزميات بالكامل ولا تسليمها زمام القرار بل البحث عن صيغة وسطية تضمن إدماجها ضمن منظومة رقابية وقانونية وأخلاقية واضحة فالتجارب السابقة تظهر أن التقدم التقني إذا ترك دون ضوابط قد ينقلب إلى تهديد مباشر في حين أن إخضاعه لإشراف بشري رشيد يمكن أن يحوله إلى عنصر دعم لتعزيز السلم والأمن

من وجهة نظري فإن القلق الذي عبر عنه مجلس الأمن مشروع وضروري فالإنسان وحده يمتلك القدرة على الموازنة بين المعطيات الرقمية والقيم الإنسانية بين حسابات القوة ومتطلبات العدالة وبين المصلحة الاستراتيجية والكرامة الإنسانية وقد أثبت التاريخ أن القرارات الحاسمة لا تقاس بالأرقام وحدها بل بالمعايير الأخلاقية التي تحفظ معنى الإنسانية ذاتها إن السماح للخوارزميات بأن تنفرد بصياغة المستقبل يهدد بأن يفقد البشر سلطتهم على مصيرهم لكن توظيفها كأداة تحت إشراف بشري مسؤول يمكن أن يفتح آفاقًا واسعة لتسخير التقنية في خدمة السلام

الفريق الدكتور
سعد معن الموسوي
رئيس خلية الإعلام الأمني

عاجل ...

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق