مرآة الشارع

هيئة التحرير29 يوليو 2025آخر تحديث :
مرآة الشارع

 

كتب رياض الفرطوسي

 

حين تمشي في أي شارع، لا تنظر فقط إلى الأرصفة والأبنية والجدران، بل حاول أن ترى ما هو أبعد منها: العقل الجمعي لمن بناها وسكنها ومرّ بها.

كل ما نراه في المدن ليس مجرد إسمنت وحديد وألوان، بل هو تجسيد حي لما يدور في وجدان الناس، في رؤيتهم لأنفسهم وللحياة.

 

الحضارة، في جوهرها، ليست سوى الغلاف المادي للثقافة.

والثقافة هنا لا تعني الكتب فقط، بل هي نسيج حيّ من اللغة، والموروث، والدين، والعلاقات، والقيم.

وحين تنضج هذه الثقافة وتتماسك، تلد حضارة تتجلّى في شكل جسور أنيقة، وحدائق وادعة، ومبانٍ تحمل ذوقاً وذوقاً مضاداً للرتابة.

 

لكن ماذا لو ضمرت اللغة؟ ماذا لو غابت القيم وتفككت الروابط؟

يصبح الشارع وقتها فوضى من النفايات واللا مبالاة، وتصير الأرصفة مكبّاً لعجز الإنسان عن التعبير، لا أكثر.

 

الإنسان الذي يحب الشعر، الذي يقدّس الكلمة، ويؤمن بالجمال، لا يرمي ورقة في غير مكانها.

ذلك أن عقله الناظم للقصيدة، لا يقبل بالفوضى على الرصيف.

من يكتب، من يتأمل، من يقرأ، يزرع في محيطه شيئاً من النظام، من الذوق، من الرفعة.

 

الحضارة تبدأ من العقل، لا من المعمل.

من قلب يؤمن بالقيمة، لا من يد تكدّس الإسمنت.

ولهذا، فإن نظافة الشارع ليست مهمة البلدية فقط، بل هي اختبار صغير لعمق ما نحمله في دواخلنا.

عاجل ...

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق