بقلم : ثامر الشمري
منذ بداية مشوار المنتخب الوطني العراقي في تصفيات كأس العالم، تكررت مشاهد التغيير: المدرب يُقال أو يستقيل، مدرب جديد يأتي وسط وعود بالتجديد والنهضة، ليُكتشف لاحقًا أن كل شيء على حاله… نفس الأسماء، نفس التشكيلة، نفس طريقة اللعب، ونفس النتائج المخيبة.
من الهولندي ديك أدفوكات إلى الإسباني كاساس، ومن بيتروفيتش إلى الأسترالي أرنولد، تغيّرت الوجوه الفنية، لكن في الميدان لا جديد يُذكر. كل مدرب يدخل بقناعاته، ثم يخرج دون أثر يُذكر. الخطة ذاتها تتكرر: إرسال الكرات الطويلة إلى رأس الحربة، اللعب الرتيب في خط الوسط، ارتباك دفاعي، وتغييرات متأخرة في التشكيل. لا ملامح لفريق يمتلك مشروعًا كرويًا واضحًا أو حتى خطة تطوير بعيدة المدى.
الجمهور بات يتوقع النتيجة قبل صافرة الحكم، ليس لأن المنافس أقوى، بل لأن منتخب العراق بات كتابًا مفتوحًا، بتشكيل محفوظ وأسلوب لعب يمكن تفكيكه بسهولة من أي مدرب خصم.
تشكيلة لا تتغير… وأسماء تبقى رغم الأداء
رغم تعدد المدربين، بقيت بعض الأسماء حاضرة باستمرار، حتى مع تراجع أدائها أو افتقارها للتأثير في المباريات. في المقابل، غُيّبت أسماء شابة برزت في الدوري المحلي أو تألقت في تجارب احترافية، لكنها لم تأخذ فرصتها الحقيقية.
السؤال هنا لا يتعلق فقط بالقناعات الفنية للمدرب، بل في آلية اختيار اللاعبين ومن يقف خلفها. لماذا نشهد تغييرات شكلية فقط؟ ولماذا يتحول كل مدرب جديد إلى نسخة أخرى من سلفه؟ هل هي مجرد مصادفة؟ أم أن هناك من يفرض “الاختيارات” من خارج الملعب؟
هذا الجمود الفني لا يُعقل أن يكون خطأ المدربين جميعهم، بل هو انعكاس لخلل أكبر… خلل إداري وهيكلي يعرقل أي مشروع للتجديد.
⸻
من يوجّه المنتخب؟ المدرب المعلن أم من خلف الستار؟
أحاديث كثيرة تتردد في أوساط الصحفيين والمحللين الرياضيين: هناك مدرب خفي، أو تأثير مباشر من داخل اتحاد الكرة على عمل المدرب الوطني. قرارات تُتخذ خلف الأبواب المغلقة، توجيهات تُفرض بصيغة “النصيحة”، وتدخلات تُغلّف تحت شعار “المصلحة الوطنية”. لكن النتيجة واحدة: المنتخب بلا هوية فنية واضحة.
الاتحاد لا يظهر كجهاز داعم، بل كطرف فاعل ومتحكم. ومن داخل هذا الاتحاد، تبرز صراعات شخصية، تحالفات، خلافات على النفوذ، كلها تنعكس على تشكيل المنتخب واختياراته. بعض القرارات الفنية لا تُتخذ داخل غرفة التحليل، بل في مكاتب الاجتماعات الإدارية.
وبين هذه الصراعات، يضيع المنتخب. يُستهلك الوقت، تتوالى التصفيات، وتنتهي الأحلام المونديالية عند محطات مبكرة، بينما تُدار كرة العراق بأسلوب ارتجالي لا يليق بتاريخها أو جماهيرها.
⸻
الخاتمة: كرة العراق تحتاج إلى تحرير… من الداخل
إذا أردنا فعلًا أن نرى منتخب العراق منافسًا حقيقيًا في المحافل الدولية، فالخطوة الأولى لا تبدأ من المدرب، بل من الإدارة. لا مشروع فني ينجح دون إدارة تؤمن بالاستقلال الفني للمدرب، وتدعم خططًا طويلة الأمد بعيدًا عن ردود الفعل اللحظية.
الحل ليس في استبدال المدرب عند أول خسارة، بل في بناء منظومة كروية قائمة على:
• لجنة فنية مستقلة ذات صلاحيات واضحة.
• استراتيجيات تطوير اللاعبين من الفئات السنية.
• محاسبة من يتدخل في العمل الفني دون وجه حق.
• ومراجعة حقيقية لآلية اختيار اللاعبين بعيدًا عن الأسماء الثابتة والمجاملات.
الجمهور العراقي الذي لا يزال يُتابع منتخبه رغم كل الإخفاقات، يستحق أكثر من مجرّد تغييرات شكلية. يستحق منتخبًا له ملامح، له خطة، وله كيان يُحسب له حساب.
فإلى متى تبقى كرة العراق تُدار من خلف الستار… بينما تُلقى الخسائر على المدرب العلني