بقلم د.عزيز جبرالساعدي
إن عملية اختيار النصوص المسرحية، أو القصائد الشعرية، أو الروايات كنماذج للبحث الأكاديمي في الماجستير أو الدكتوراه، ليست محكومة بالعشوائية، كما لا ينبغي أن تكون خاضعة فقط للميول الفردية، أو المجاملة، أو المحسوبيات الأكاديمية، بل تعتمد على أسس ومعايير فكرية وجمالية واضحة.
الأستاذ والطالب كلاهما يقعان أحياناً في فخ الذائقة السطحية أو الانبهار السريع بنص ما، دون التحقق من مدى اكتمال التجربة الأدبية لصاحبه، أو تأصيلها فكرياً وجمالياً. وهنا تكمن المعضلة: هل اختيار هذا النموذج ناتج عن جدارة النص فعلاً؟ أم عن تأثير إعلامي أو توصية اجتماعية أو ثقافية؟
ما يزيد التساؤل تعقيداً، هو وجود العديد من النماذج الأدبية الضعيفة التي تُختار في رسائل الدراسات العليا داخل العراق، لأسماء لم يثبت لها حضور أدبي رصين أو تجربة ناضجة، مما يفرغ البحث من قيمته العلمية.
وفي المقابل، نجد الشاعرة *وفاء عبد الرزاق* مثالاً مميزاً لانتقاء واعٍ من قبل الباحثين في أكثر من 170 أطروحة ورسالة خارج العراق. فهل هذا حضور إعلامي؟ أم أن هناك أسباباً فنية وجمالية تدفع الباحث والأستاذ لاختيارها؟
في الحقيقة، وفاء عبد الرزاق تمتلك مشروعاً شعرياً يمتد لسنوات، بمستوى تعبيري وفلسفي عالٍ، ورؤية إنسانية تتجاوز حدود اللغة، مما يجعلها جديرة بالتحليل والنقد الأكاديمي. هي لا تقدم نصاً آنياً بل مشروعاً متكاملاً، يجبر المتلقي، والباحث تحديداً، على التوقف عنده طويلاً.
أما في الداخل، فهناك الكثير من الأسماء التي ما زالت مجهولة جماهيرياً، رغم أن نتاجها الفكري والشعري يستحق أن يكون محل دراسة. المشكلة هنا تكمن في ضعف آليات الترويج الأكاديمي النزيه، وغياب قنوات الترشيح الثقافي التي تنصف القيمة لا الاسم.
الذائقة الجمالية لا تكفي وحدها، بل يجب أن يقترن الاختيار بوعي نقدي ورؤية تحليلية شاملة. وعلى المؤسسات الأكاديمية أن تعيد النظر في معاييرها، وتفسح المجال لنصوص تمتلك القيمة الحقيقية لا الضجيج.
*ومن جهة أخرى*، حين نتحدث عن الذائقة الجمالية في المسرح، فلا يمكن أن نغفل *السينوغرافيا* بوصفها ركناً أساسياً في العرض المسرحي، وقد أصبحت اليوم علماً قائماً بذاته يتكامل فيه *الديكور، الإضاءة، الأزياء، المؤثرات،* وحتى الفضاء الحركي للممثلين.
في هذا المجال، برز في العراق عدد من الأسماء المهمة، الذين عملوا بصمت وتأثير عميق دون أن يُسلط عليهم الضوء إعلامياً كما يستحقون، منهم:
– *فاضل القزاز*: أحد أبرز مصممي الديكور المسرحي، والذي ترك بصماته على العشرات من العروض المسرحية داخل معهد الفنون الجميلة وأكاديمية الفنون، بأسلوبه القائم على التوازن بين الوظيفة والجمال.
– *جابر علي*: الذي جسّد السينوغرافيا بوصفها تعبيراً بصرياً للفكرة، واشتغل على إظهار البنية الداخلية للنصوص المسرحية بشكل ملموس.
– *كاظم حيدر *: الذي امتلك حساً بصرياً خاصاً في تقديم الفضاء المسرحي كحالة نفسية مرتبطة بالشخصيات والحدث.
هؤلاء، ومعهم آخرون، لم يكونوا مجرد “فنيي ديكور”، بل *مفكرين بصريين* تركوا أثراً علمياً وعملياً في ميدان المسرح، واليوم هناك *عشرات الرسائل الجامعية التي تبحث في منجزهم*، مما يعكس مدى تأثيرهم في بناء المشهد المسرحي الحديث.
ومع ذلك، لا يزال الإعلام والنقد بعيدين عن إنصاف هذه التجارب، كما أن كثيراً من الطلبة لا يدركون قيمة هذا العطاء حين يختارون نصوصاً سطحية أو شخصيات بعيدة عن التأصيل الجمالي والعملي.
*في الختام*: سواء في الشعر أو المسرح أو النقد، لا بد من تحفيز الوعي الأكاديمي لاختيار النماذج التي تجمع بين الأصالة والتجديد، بين الرؤية والتأثير، وهذا هو طريق بناء جيل يمتلك ذائقة فنية رفيعة ومعايير أكاديمية رصينة.