فقدان العدالة الاجتماعية
وغياب روح المواطنة بسبب الفوارق الطبقية
أولاً: البعد التفسيري والنفسي :
القرآن الكريم رسم صورة واضحة لمفهوم العدالة، فقال تعالى في محكم كتابه :
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ (النحل: 90).
فالعدل ليس مجرد كلمة، بل هو أساس بناء المجتمع السليم.
وعندما تغيب العدالة الاجتماعية ويستفحل التفاوت الطبقي بين من يملكون الثروات الطائلة ومن لا يملكون قوت يومهم، يصبح المجتمع شبيهاً بالميزان المائل، لا يمكن أن يستقر.
والإمام علي عليه السلام لخص هذه الحقيقة بقوله: “لو كان الفقر رجلاً لقتلته”، إذ أدرك أن الفقر ليس عجزاً فردياً فقط، بل ظاهرة اجتماعية–سياسية تهدد الاستقرار وتفكك روح الأمة.
ثانياً: البعد القانوني:
القانون وُجد ليحمي الضعيف من جشع القوي، ويضع حدوداً لتوزيع الثروة والخدمات.
لكن حين تُستخدم القوانين في بعض الدول وعلى مر العصور لمصلحة فئة معينة أو يتم الالتفاف عليها بالفساد والمحسوبيات، فإنها تتحول إلى أداة لتعميق الفوارق الطبقية.
• أصحاب بعض المستشفيات الخاصةفي كل الدول الذين يبتزون المرضى مثال صارخ على غياب الرقابة القانونية.
• حرمان الفقراء من الحصول على الدواء أو التعليم هو انتهاك مباشر لحقوق الإنسان الأساسية المكفولة بالقانون الدولي والوطني.
إذن، غياب تطبيق القانون بعدالة يفتح الباب أمام احتكار الثروة والسلطة معاً.
ثالثاً: البعد الاجتماعي:
الفوارق الطبقية ليست مجرد أرقام في تقارير اقتصادية، بل هي شرخ عميق في النسيج الاجتماعي.
• حينما يرى الشاب أن زميله يملك أسطول سيارات بينما هو لا يملك حتى ثمن دراجة هوائية، فإن ذلك يولّد إحباطاً ويقتل روح الانتماء.
• حينما تُبعث أبناء الأغنياء للدراسة في أوروبا بينما يُحرم أبناء الفقراء من السفر حتى إلى محافظة مجاورة، فإن ذلك يُعمّق شعور الظلم.
• النتيجة: احتقان جماهيري لدى الشعوب قد ينفجر في أي لحظة على شكل احتجاجات، عصيان مدني، أو حتى عنف اجتماعي.
فالمجتمع الذي تتسع فيه الفجوة بين طبقاته يفقد روح التضامن، ويتحول الوطن من فكرة جامعة إلى مجرد مكان يعيش فيه الأغنياء بترف ، والفقراء بحسرة ولايغنيهم او يشبعهم بريق الليل والملاهي والمولات والبنايات والانارات الصفراء والحمراء وماشابهها من ترف وعمران مصطنع او ظاهري مادامت البطون خاوية ، والاجساد عارية في هذه البلدان المنهكة .
رابعاً: البعد الدستوري:
الدساتير الحديثة في دول العالم قاطبة تنص على مبادئ مهمة:
• المساواة بين المواطنين أمام القانون.
• تكافؤ الفرص.
• ضمان الحقوق الأساسية كالصحة والتعليم والعمل.
لكن هذه المبادئ تبقى حبراً على ورق إذا لم تتحول إلى سياسات فعلية تردم الهوة الطبقية. الدستور لا يكتمل بمجرد صياغته، بل يحتاج إلى إرادة سياسية وقضائية لتطبيقه بعدالة.
ان غياب العدالة الاجتماعية يعني عملياً تعطيل نصوص الدستور، وفتح الباب لانهيار فكرة المواطنة.
فالوطنية ليست شعاراً يُرفع في المناسبات، او طلسم ، او عوذة يتعوذ بها الانسان ، او حرز يحمله ، او علگ يتبرك به من مزار عظيم ، بل هي شعور يولد حينما يرى المواطن أن الدولة تنصفه وتعامله بكرامة وعدالة في كل انحاء المعمورة .
المستخلص القانوني والدستوري والنفسي :
إنّ غياب العدالة الاجتماعية وتفاقم الفوارق الطبقية يؤدي إلى:
• انهيار الثقة بين الشعب والدولة عالمياً .
• فقدان روح المواطنة وتحول الوطنية إلى مجرد لقلقة لسان.
• خلق احتقان جماهيري قد يهدد السلم الأهلي لدى كل الشعوب وفي كل العصور .
وكما قال امام المتقين ويعسوب الدين وقاصم الجبارين الإمام علي عليه السلام:
“ما جاع فقير إلا بما متّع به غني”، فإن مسؤولية معالجة الفوارق تقع على عاتق الدولة، القانون، والمجتمع معاً.
والا يبقى حتى كلامنا هذا لقلقة لسان .
سالم حواس الساعدي
مستشار قانوني واعلامي
تخصص عمليات نفسية