فضيحة….فضيحة….فضيحة….
“استثمار أم استيلاء؟
(الجريمة حين يتحوّل المال العام إلى غنيمة في صفقات الأراضي العراقية”)
في بلدٍ تُنهش فيه الدولة من أطرافها، حيث يقف الفساد على رأس أولوياته ويتجاوز كل الخطوط الحمراء، تُسجّل العاصمة بغداد اليوم واحدة من أبرز عمليات التحايل على المال العام تحت غطاء “الاستثمار”. فبينما يعاني العراق من أزمة إسكان وتعليم وبطالة وتدهور في البنية التحتية، تُحوَّل أراضٍ استراتيجية كانت مخصصة للزراعة والتعليم والصناعة إلى مشاريع عقارية لمستثمرين مجهولين، بدعم وزاري واضح.
💥 تفاصيل الفضيحة الجديدة:
وفقاً لمصادر مطلعة:
176 دونماً من الأرض التابعة لكلية الزراعة تم تغيير صفتها من استثمار تعليمي إلى مجمعات سكنية، في قرار وقع عليه وزير الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة دون استشارة وزارة التعليم العالي أو أي جهة علمية مختصة.
كما تم تحويل 48 دونماً أخرى كانت مخصصة للمنشآت الصناعية في قلب بغداد إلى مشاريع استثمارية عقارية، ليحظى بها مستثمرون مقربون من دوائر النفوذ.
⚖️ لماذا تُعتبر هذه “صفقة فساد”؟
1. خرق القوانين النافذة:
قانون الاستثمار العراقي رقم (13) لسنة 2006 المعدل، يُلزم الجهات المختصة بالحفاظ على نوع استعمال الأرض بما يخدم التنمية المستدامة، ويمنع تغيير الصفة إلا وفق مبررات اقتصادية مدروسة وموافقات متعددة المستويات (المادة 4 و9).
2. انتهاك المصلحة العامة:
تحويل أراضي الكلية الزراعية – التي يُفترض أن تكون حاضنة للبحث العلمي والأمن الغذائي – إلى عقارات فارهة، يعني التخلي عن مستقبل التعليم الزراعي في العراق مقابل أرباح آنية لمتنفذين.
3. استغلال النفوذ والتواطؤ المؤسسي:
غياب الشفافية في منح العقود، وعدم وجود إعلانات رسمية للمناقصات، يفتح الباب أمام المحاباة والمحسوبية تحت غطاء الاستثمار.
📊 لمحة إحصائية عن نهب الأراضي في العراق:
النوع عدد القضايا المكتشفة (2022-2024) المساحة الإجمالية القيمة التقديرية
أراضٍ تعليمية محولة 31 حالة أكثر من 1,100 دونم 600 مليون دولار
منشآت صناعية محولة 19 حالة 740 دونماً 400 مليون دولار
أراضي زراعية محولة 55 حالة تفوق 6,000 دونم تتجاوز 1.5 مليار دولار
> (المصدر: هيئة النزاهة الاتحادية، تقارير لجنة الاستثمار والاقتصاد البرلمانية)
القضية ليست حالة فريدة. ففي عام 2022، تم الكشف عن تحويل قطعة أرض بمساحة 92 دونماً في منطقة الراشدية كانت مخصصة لإنشاء مدينة جامعية إلى مول تجاري. وفي 2023، صادق محافظ بغداد على مشروع سكني على أرض كان مقرراً أن تُستعمل لبناء مستشفى تخصصي، ما دفع منظمات المجتمع المدني للاحتجاج.
🧱 الأثر المجتمعي:
– تدمير للبنية التعليمية والصناعية.
– فقدان فرص العمل المستدامة في قطاعات الزراعة والتصنيع والتعليم.
– خلق احتكار عمراني يخدم طبقة ضيقة من رجال الأعمال المرتبطين بالسلطة.
– تعميق الفجوة الطبقية في المدن، مع تصاعد أسعار الأراضي والمساكن.
📣 ماذا بعد؟
على الرغم من تصاعد الغضب الشعبي، إلا أن البرلمان لم يحرك ساكناً، ولا تزال وزارة الإعمار والإسكان تتصرف بالأراضي العامة بلا مساءلة. المطلوب اليوم:
1. فتح تحقيق فوري من هيئة النزاهة.
2. تعليق كل قرارات التحويل لحين مراجعة الأثر التنموي لها.
3. نشر أسماء المستثمرين وبيانات العقود للعلن.
4. تشريع قانون يمنع التصرف بالأراضي المخصصة للتعليم والصحة والصناعة بدون استفتاء أو موافقة مجلس النواب.
الخاتمة:
إن صفقات تحويل الأراضي في العراق ليست استثماراً في المستقبل، بل هي سطو مؤسسي منظم على الموارد العامة. وحين يتحوّل التعليم إلى شقق سكنية، والمصانع إلى مراكز تجارية، فإن الوطن يصبح مجرد قطعة أرض تباع لمن يدفع أكثر. هذا ليس استثماراً… هذا استيلاء مغلف بشعار “الإعمار”.
البروفسور د ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي
مرشح مستقل
قائمة البديل (250) تسلسل 9