عودة الصدر

هيئة التحرير9 يونيو 2025آخر تحديث :
عودة الصدر

محمد نعناع

 

يُطبق زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر أطول ( لا و لـــن) في مسيرته السياسية والاجتماعية بعد العام 2003، وهي رؤية بدأت تتضح معالمها بعد الصدام العنيف في #المنطقة_الخضراء في آب أغسطس 2022.

لقد أصبح الصدر واضحاً بدرجة كبيرة منذ ذلك الحين، لقد قال عن أبناء جلدته الذين حرموه من إدارة معادلة السلطة بشكل مختلف أقرب إلى #الديمقراطية من التوافقية ( حكـــومة الأغلبيـــة الوطنيـــة) بعد فوزه الكبير في الانتخابات البرلمانية العامة (تشرين الأول – أكتوبر 2021) قال عنهم: “لا يجمعنا معهم حتى حب الحسين” وكل المسلمين يعرفون ما للحسين سبط الرسول محمد من قيمة تضحوية في الوجدان الشيعي، وهذه الـــ (لا و لـــن) تبلورت على شكل تحدي مبدئي صاغه الصدر كموقف أخلاقي لا تراجع عنه عندما قال: (لـــــن أُشاركهم) وقد استمر برفض جميع المبادرات التي تقدمت بها رسمياً وإعلامياً أكبر قيادات #العملية_السياسية العراقية، وربما تخطت بعض مبادرات عودته للعملية السياسية الحدود العراقية بإتجاه ايران ولبنان وغيرهما من الدول ذات الاهتمام الإقليمي، وكانت ردوده على بعضهم عنيفة جدا.

يحاول الصدر أن يميز نفسه وتياره عن مجموعات أخرى شيعية، ينعتها دائماً بالفساد والتبعية، ولم يغير موقفه منها ومن قياداتها حتى الأن، بل يزداد وضوحاً بتحميلها ما تؤول إليه أوضاع #العراق، ولكنه أكثر دقـــة في عدم التورط بالشخصنة والاستعدائية التي يمارسها ضده الطرف الأخر الذي يستمر بإلصاق التهم الكيدية المتنوعة بالصدر وتياره، وهو بذلك يُرفق بموقفه الملتزم من عدم مشاركته لهم مزية جديدة وهي عدم مبادلتهم الاتهامات بقصد التصعيد، رغم انهم يتسلمون السلطة بمعزل عنه للمرة الأولى بعد انتخابات 2005 ، وهو حتى لا يعرقل طريقهم عبر #المعارضة_السياسية والشعبية، بالرغم من أنه يستطيع استخدام هذا التحرك السياسي المشروع في الأعراف السياسية؛ ولكن عدم قيامه بهذا الدور هو الأخر ليس بدون حسابات سياسية مستقبلية، فقد يطمح #الصدر عند عودته للعملية السياسية تذكيرهم بعدم معارضته لحكومتهم التي بنوا معادلة سلطتها بمعزل عنه، وهذا التفكير غير بعيد عن مـــراودة الصـــدرييـن، فهو يراود عقولهم من أجل استعادة حقهم المسلوب بقوة السلاح وبأليات الفساد والشعارات الطائفية.

لقد أثبت الصدر بأن مقاطعته للعملية السياسية هي في الأساس تتويج لجهوده الاحتجاجية على مسار تكوين السلطة، وعلى تبعيتها لفواعل إقليمية ودولية، حتى لو كان مشاركاً فيها قبل العام 2022، وبشكل تفصيلي واضح قاطع الصدر العملية السياسية منذ 2022 في ثلاث مناسبات هامة :

🔴المرة الأولى: في عدم المشاركة في حكومة السوداني في تشرين الأول – أكتوبر 2022، وكان سبب المقاطعة لرفض استمرار المحاصصة وما أصبح يسمى (خلطـــة العطـــار).

🔴والثانية: بعدم المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات في تشرين الأول – أكتوبر 2023، وسبب عدم المشاركة كان لعدم وجود الظروف المناسبة التي تحقق نزاهة وعدالة الانتخابات، خصوصاً في ظل تغيرات أجرتها الأحزاب الحاكمة على قانون الانتخابات.

🔴والثالثة: في الانتخابات البرلمانية المقبلة في تشرين الثاني – نوفمبر 2025 وسبب المقاطعة يتمحور حول الاحتمالية الكبيرة بسيطرة جماعات السلاح والأحزاب الفاسدة على نتائج الانتخابات.

وهذا يؤكد مفارقته للطبقة السياسية الحاكمة في التفكير والممارسة السياسية، وكما قلنا قد يكون ما يقوم به الصدر هو مراكمة الفعل المعارض لكشف الضعف السياسي والإداري لقوى الاطار التنسيقي، والشهادة أمام الرأي العام على قصورهم الإنجازي في مقابل الانفاق المالي الكبير الذي تنفقه الحكومة على مشاريع لا ترتقي إلى مستوى الإعمار والتنمية الحقيقيين، بل ما إنفك الصدر يلمزهم ويغمزهم بكلمات قاسية كتضخم الفساد وسيطرة المليشيات على مفاصل مهمة في الدولة، دون الجنوح للشخصنة أو عرقلة ما يقومون به من أعمال حكومية يظنونها تحقق التقدم المطلوب في مجالات مؤسسات الدولة.

لقد رد الصدر عدة مرات على مطالبات عودته للعملية السياسية، أو زج اسمه وتياره في مقابلات إعلامية تتضمن التنبؤ بالمشاركة بالانتخابات المقبلة، وبعضها ردود عامة وأخرى ردود مخصوصة، ويكفينا النظر في أخر ردين وهما يحملان أفكاراً واضحة لاستمرار مقاطعة الصدر وكوادر وجماهير #التيار_الوطني_الشيعي للعملية السياسية :

🟢الـــرد الأول: على رسالة رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، وفيها دعوة واضحة ومباشرة وذات مدلولات سياسية بعيدة المدى، وطالب رشيد عبرها الصدر بالعدول عن عدم المشاركة بالانتخابات، بتاريخ 16 / 4 / 2025، وجاء رد الصدر واضحاً (ما يحزنني أن يشترك بها “أي الانتخابات” شعب عظيم لكي ينتخب الفاسدين والوقحين وسراق المال العام..) بالإضافة الى مضامين أخرى تدل بما لا يقبل الشك على عدم المشاركة نهائياً بالانتخابات المقبلة.

🟢الـــرد الثاني: بتاريخ 25 / 5 / 2025 وهو رد أعم من مجرد المشــــاركة بالانتخابـــات إلى عدم إعطاء مشروعية للحكومة؛ بالقول إن سكوت الصدر يعني رضاه عنها، وقد نفى الصدر هذا الزعم جملةً وتفصيلا، وهنا إشارة واضحة لتصريحات بهاء الاعرجي ومحمد الصيهود على الصدر وتياره.

إن ردود #الصدر التي يصوغها في إطار تأكيد استمرار مقاطعته للعملية السياسية وإحدى أهم ألياتها الديمقراطية وهي #الانتخابات، تُنبأ عن تعزيز قدرته بالتحكم بتياره وجماهيره، ويكاد أتباعه أن يقولون “توكلنا على الصدر” فهم يؤكدون جهوزيتهم لتنفيذ كل ما يطلبه والابتعاد عن ما ينهاهم عنه، حتى لو كان هذا الأمر والنهي بشكل عام خلاف مصالحهم الشخصية، وهنا تفارق جماهيره المطيعة له رغبات الجمهور الأخر الذي يسمى “جمهــــور زبائنـــي” والذي لا تتقدم قواه المهيمنة عليه خطوة واحدة دون احراز مصالح الجمهور الشخصية، وإلا تمرد عليها وغادر دعمها والتصويت لها في الانتخابات. وتصاغ فرضية أخرى مقابلة للرد على “نزاهة الصدر واتباعه” وتتمثل في: (إن الصدر وأتباعه يحصلون على مصالحهم الخاصة والعامة من خلال العملية السياسية وبعلم قوى الاطار والحكومة ) وفي هذا الرد تكمن حالة اتهامية مباشرة للصدر واتباعه تشملهم كالأخرين بالتغذي من أموال الدولة والتظاهر بعدم الفساد. ويُكمل النمط الإعلامي الإطاري هذه الحالة الإتهامية بالقول: ( الصـــدر يستفيد من مناصب في الحكومة يديرها صدريون منها الأمانة العامة لمجلس الوزراء والشركة العامة للموانئ العراقية، ولم يعترض قادة الإطار وممثلوهم في الحكومة على عمل شركات مقربة من #التيار_الوطني_الشيعي تتدفق من خلالها أموال لتمويل مشاريع التيار الاقتصادية، ثم أن أتباع الصدر كغيرهم من المواطنين يتم تعيينهم بالوظائف العامة، لا سيما عبر التنسيقيات التي يدعمها #التيار_الصدري، مما يوفر مردودات مالية لا بأس بها لمشروع البنيان المرصوص، الذي تُشكل التبرعات له عملية احتواء إنساني لأتباع الصدر بالأساس ولربما باقي العراقيين بدرجة أقل). وبالتأكيد يملك التيار الوطني الشيعي وزعيمه #مقتدى_الصدر ردوداً تفصيلية وواقعية من وجهة نظرهم حول هذه الإشكاليات التي يتبناها خصومهم، ولربما يعتبرونها مجرد [حيلـــة تسقيطيـــة] لجرهم لصراعات جانبية تلهيهم عن أهدافهم الأساسية المتمثلة في مواجهة “فساد وسلاح” القوى الشيعية الأخرى، وتسمح بتمرير رؤية قوى الإطار التنسيقي التي تتحدث عن احتمالية تسبب الصدر وتياره بخسارة الشيعة للحكم لصالح القوى المكوناتية الأخرى. وبقدر ما يُحرج الصدر قوى الإطار التنسيقي، بل وحتى الائتلاف الحاكم (#ائتلاف_إدارة_الدولة) في الاستمرار بالمقاطعة، لأنه يحصر استفحال الفساد والمحاصصة الطائفية والاثنية بهم، فإن عودته إلى العملية السياسية عبر أي انتخابات مقبلة ستكون مكلفة جداً، فعليه أن لا يشارك إلا عبر قائمة كبيرة تجمع كل الأطياف السياسية، ليعزل عن طريق نتائجها العالية كل القوى التي يرفض المشاركة معها في معادلة السلطة الحالية، وهذه مسؤلية خطيرة ومهمة صعبة، وإلا سيكون رجوعه بمشاركة القوى التقليدية تخلياً عن التزامه الأخلاقي مع الشعب، ولذلك يجب أن يحشد الصدر وتياره كل أوراق الجذب السياسي والاجتماعي ليتفوق على خصومه، وبهذا الشكل فقط يتحقق له الهدف المنشود.

إن تأثير #عودة_الصدر للعملية السياسية مرهون بإنتاجه لأفكار جديدة تعزز الديمقراطية الحقيقية، وتفرض الموالاة والمعارضة كحقيقة على أرض الواقع السياسي والاجتماعي، وحتى مجرد العودة للأغلبية الوطنية ما عاد أمراً مهماً للكثير من القوى والنخب المتربصة بــ #الإطار_التنسيقي ومعادلته السياسية الحاكمة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل ...

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق