صباح عطوان الكاتب الابرز في الدراما العراقية يستهويه الشعر مكملا لهواجسه الاجتماعية والمسرحية والتلفزيونية…
(إنهم يقتلون الأيائل)..!
بقلم : الفنان عزيز جبر الساعدي
ترنو إليك َوعينها تتسائلُ..؟!
ماذنبناكي نقتلُ..؟!
من قال مقتلةُ الأيائلِ مفخرة..؟!
قلتُ إصمتي..؟!
وتلمّسي ممن قتلكِ المغفرة..؟!
قد تاهو فيكِ وأنتِ وهمُ كالمحاقِ
سفناً ببـحرك إشرعـوا متيـمـمين
فلا سواحل أدركوا، أو قنطرة
ذا سرّكِ المكنون في قلبِ الأيائل
دهرأ ضبحنَِ خيولهم..
فلا جوادك قد لحقن..
ولاسبقن حوافره
فلتستريحي إذا إدلهّم زمانهم ..؟!
فماإفتراس للايائل في زماننا معضلة
صباح عطوان، المعروف بريادته في كتابة الدراما العراقية، يكشف في هذه القصيدة عن جانب آخر من شخصيته الإبداعية؛ جانب يستنطق الحس الإنساني عبر الشعر، بأسلوبه الذي يمزج بين الرمزية والواقعية، ويعبّر عن الألم الجمعي بلغة ناعمة وغاضبة في آنٍ واحد.
القصيدة تبدأ بنداء داخلي يحمل بعدًا وجوديًا:
“إنهم يقتلون الأيائل..!”
جملة تحمل دلالات رمزية، فـ”الأيائل” ليست مجرد كائنات بريئة تُقتل، بل هي صورة للبراءة، للحلم، وربما للمرأة، أو حتى للوطن المستباح. الشاعر يسائل الواقع القاسي، المستفز للضمير:
“من قال مقتلةُ الأيائلِ مفخرة..؟!”
هنا احتجاج أخلاقي على عنف ممنهج يُمارَس كأنّه بطولة، وهو تلميح مباشر لنفاق بعض الشعارات التي تشرعن الفتك بالضعفاء.
“قلتُ إصمتي..؟! وتلمّسي ممن قتلكِ المغفرة..؟!”
نبرة متوجسة من قسوة العالم، لكنها أيضًا ساخرة من محاولات تبرير هذا العنف أو طلب الغفران بعد الجريمة.
القصيدة تسير نحو تصوير عبثية الواقع:
“فلا سواحل أدركوا، أو قنطرة”
من رحلوا للحرب أو للوهم لم يصلوا، ولم يعودوا، ولم يحققوا شيئًا… وهي إشارة إلى جيل ضائع أو مشروع حياة متوقف.
الختام يحمل مرارةً فلسفية:
“فما إفتراس للايائل في زماننا معضلة”
لقد أصبح القتل عاديًا، وصيد الأيائل – رمز الجمال والضعف – ليس حدثًا نادرًا بل سمة زمن، وهذا أقسى ما في المعضلة.
حين يكتب صباح عطوان الشعر:
(( الأيائل لا تموت بصمت ))د
صباح عطوان، الكاتب الدرامي البارز، الذي شكّل وجدان العراقيين لعقود عبر أعماله التلفزيونية والاجتماعية، يفاجئنا هذه المرّة بنص شعري عميق، يحمل عنوانًا صادمًا: “إنهم يقتلون الأيائل”.
هنا، لا يبتعد عطوان عن قلقه الإنساني والاجتماعي، بل يغوص فيه بلغة شعرية تكشف ألمه، غضبه، واستفهاماته التي لا تزال حارقة كأنها كُتبت في لحظة اشتعال داخلي.
يبدأ النص بجملة حاسمة:
“إنهم يقتلون الأيائل!”
لتكون بمثابة جرس إنذار، لا فقط على المستوى البيئي أو الرمزي، بل على كلّ ما هو جميل ومستضعف يُقتل تحت ذريعة الاضطرار أو المجد أو الفوضى.
يسائل الشاعر الواقع:
“من قال مقتلة الأيائل مفخرة؟”
ويعود إلى نقد مفارقات القيم؛ تلك التي تُشرعن العنف وتمنح الغفران للجلادين، بينما تُدان الضحية حتى في صمتها.
عطوان لا يكتفي بوصف المأساة، بل يرسم أيضًا خرائط التيه التي تتوه فيها المجتمعات، حين تفقد بوصلتها الأخلاقية:
“فلا سواحل أدركوا، أو قنطرة”
وهو بذلك لا يتحدث عن الأيائل فقط، بل عن أجيال من البشر ضاعت أعمارهم في وهم الانتظار، أو في حروب لم تكن حروبهم، أو في خيبات سياسية واجتماعية متكررة.
ويختم النص بمرارة مبطّنة بالسخرية السوداء:
“فما افتراس للأيائل في زماننا معضلة”
في اعتراف مرير بأننا وصلنا إلى زمن صار فيه القتل أمرًا معتادًا، والجمال مشروع خسارة.
في هذه القصيدة، يبرهن صباح عطوان أن الشاعر الحقيقي ليس من يكتب عن الحب أو الألم فحسب، بل من يعري وجع الزمن، ويقف في وجه السائد والمبرر والمألوف، ولو بكلمة.