
بقلم المستشار القانوني والاعلامي سالم حواس الساعدي
تخصص دقيق عمليات نفسية مقدمة: تُعد اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله بين العراق والكويت واحدة من أكثر الملفات سياديةً وحساسيةً في التاريخ العراقي المعاصر. فعلى الرغم من تصديق مجلس النواب العراقي على الاتفاقية عام 2013، إلا أن المحكمة الاتحادية العليا فاجأت الوسط السياسي بإصدار القرار القضائي رقم 105/اتحادية/2013 القاضي بـ إبطال قانون التصديق، ما فتح الباب واسعًا لإعادة النظر بسيادة العراق على ممره البحري الاستراتيجي.ما هو خور عبد الله؟ • خور عبد الله: ممر مائي حيوي يفصل بين شبه جزيرة الفاو العراقية وجزيرة بوبيان الكويتية.
• يُعد شريانًا اقتصاديًا بحريًا للعراق، ويمتد من الخليج إلى موانئ أم قصر. • يحتل أهمية جيوسياسية لأنه يمثل المتنفس البحري الرئيسي للعراق، ولذا فإن أي اتفاق يؤثر على السيطرة عليه يُعد ملفًا سياديًا بامتياز.الاتفاقية العراقية – الكويتية وتنظيم الملاحة • في عام 2013، وقّعت الحكومتان العراقية والكويتية اتفاقًا لتنظيم الملاحة في الخور. • صادق مجلس النواب العراقي على هذه الاتفاقية بقانون، وفق الأطر الدستورية. •
اعتمدت الاتفاقية على قرار مجلس الأمن رقم 833 لسنة 1993، الذي رسم الحدود البحرية بعد الغزو العراقي للكويت.قرار المحكمة الاتحادية العليا (رقم 105 لسنة 2013) • بعد تصديق البرلمان على الاتفاقية، قُدّمت دعوى أمام المحكمة الاتحادية تطعن بشرعيتها. • أصدرت المحكمة العليا في عام 2013 قرارها رقم 105/اتحادية/2013، وقضت بـ:� ◦ عدم دستورية قانون التصديق على الاتفاقية.
◦ أن الاتفاقية “تمس سيادة العراق وتستوجب استفتاءً أو موافقة بمستوى أعلى”. ◦ استندت المحكمة إلى مخالفة الاتفاقية لمواد الدستور المتعلقة بالحفاظ على السيادة والموارد الوطنية. • وهذا القرار أعاد الملف إلى المربع الأول، وأعطى بُعدًا دستوريًا جديدًا لمكانة الاتفاقيات الثنائية في السياق السيادي.
الطعن من قبل رئيسي الجمهورية والوزراء بقرار المحكمة الاتحادية العليا يمثل خرقاً لارادة الشعب من وجهة نظر شعبية واعلامية وسيادية وان كان الطعن حق دستوري لكل طرف متضرر .
• في عام 2023، قدّم كل من:� ◦ رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد ◦ ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني • �طعناً ضد قرار المحكمة الاتحادية العليا ، مطالبين بإعادة النظر في قرار الإبطال. • علّلوا ذلك بأن الاتفاقية تمت وفق إجراءات دستورية صحيحة وقتها، وبأن الإلغاء يُحرج العراق دوليًا.سحب الطعن بعد استقالة رئيس المحكمة الاتحادية (العميري): • بعد استقالة رئيس المحكمة الاتحادية العليا، القاضي جاسم محمد عبود العميري، تغيرت موازين الملف.
• وفي تطوّر لافت، قررت الحكومة او السلطة التنفيذية بجناحيها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء سحب الطعن المقدم أمام المحكمة. • يعزو البعض ذلك إلى:� ◦ تغير في موازين القوى داخل الدولة. ◦ محاولة احترام قرار المحكمة الاتحادية وعدم التدخل فيه. ◦ الانسجام مع مواقف وطنية وشعبية تعارض الاتفاقية بشكل حاد .
• – البعد النفسي للشعور الشعبي والوطني تجاه الاتفاقية ودراسة نفسية للاتفاقية وردود الفعل الشعبية: من الناحية النفسية، مثّلت اتفاقية خور عبد الله لدى كثير من العراقيين رمزًا للإذلال ما بعد الحرب، إذ ارتبطت في الذاكرة الجمعية بما perceived (يُدرَك) كـ تنازل قسري عن السيادة الوطنية.يشير علم النفس السياسي إلى أن الشعوب الخارجة من صدمة احتلال أو حصار طويل تصبح أشد حساسية تجاه الرموز السيادية والحدودية، وتُبدي ردود فعل انفعالية أقوى تجاه أي اتفاق يُشعرها بفقدان الأرض أو الكرامة.
وهذا يفسّر ان الحشد الشعبي ومكونات الشعب الاخرى اغلبها ضد الاتفاقية، ورفض الشارع لأي محاولة لإعادتها، حتى وإن غُلّفت بلغة القانون أو الدبلوماسية او السياسة .القراءة القانونية والسياسية
1 قرار المحكمة الاتحادية العليا له قوة دستورية مطلقة (المادة 94 من الدستور العراقي):� ◦ جميع سلطات الدولة مُلزمة به. ◦ لا يجوز تجاهله أو التحايل عليه.
2 سحب الطعن يعكس تراجعًا عن الرغبة في إعادة الاتفاقية، مما يُفسر بأن الحكومة تريد:� ◦ إنهاء الجدل القضائي. ◦ التماهي مع رأي عام يرى الاتفاقية مجحفة.
سيادة العراق في الميزان:� ◦ القضية ليست فقط نزاعًا حدوديًا، بل اختبار حقيقي لقدرة القضاء العراقي على الوقوف بوجه الإرادات السياسية والضغوط الإقليمية.
خاتمة ما جرى في ملف خور عبد الله يُظهر أن القضاء الدستوري العراقي قد يكون آخر حصون السيادة، وأن الاتفاقيات التي تمرر بسرعة، قد تُلغى بثباتٍ قضائي وبعد نظر قانوني.