حين تتحوّل الوسادة إلى ساحة حرب

هيئة التحرير13 يوليو 2025آخر تحديث :
حين تتحوّل الوسادة إلى ساحة حرب

كتب رياض الفرطوسي

ليس النوم عند الناس مجرد استسلام للجسد تعباً أو انسحاباً من ضجيج العالم. إنه طقس معقّد، وأحياناً ميدان خفيّ تدور فيه معارك لا يراها أحد. فكم من إنسان يذهب إلى فراشه مثقلاً لا بالنعاس، بل بأعداء يجرّهم معه إلى وسادة النوم، يصحبهم إلى فضاء العتمة، يطاردهم في خياله، ويقتلهم رمزياً واحداً تلو الآخر كي يهنأ بالنوم. وربما يواصل حربه عليهم حتى في أحلامه، إذ يستيقظ أحياناً منهكاً وكأنه عاد للتو من ساحة قتال.

إنها حرب حامية الوطيس، ساحاتها مفتوحة ومشرعة الأبواب، أسلحتها لا تدمر الأجساد، بل تدمر الأنفس، وتترك في الروح ندوباً خفية لا تبرأ بسهولة. حرب تحتاج إلى وعي كبير، وعمل جاد يضرب بنيتها التحتية قبل أن تستحيل إلى أسوار عالية نحاصر أنفسنا خلفها طواعية، وننام فوق قضبانها المخملية.

إن المعضلة الكبرى هنا نفسية وإنسانية في آن معاً: كيف تحوّلت الحياة إلى ساحة صراعات خفية؟ ولماذا تجذّرت في أعماق النفوس خصومات صغيرة، وكراهية، وحسد، وريبة، وشعور بالنقص أمام الآخر؟ ما الذي صنع كل هؤلاء الأعداء الذين يسكنون مخادعنا ويزاحموننا على وسائدنا؟إن هذه الشروخ في النفس لا تبقى حبيسة الصدور أو طي الكتمان، بل تنسحب على وجه المجتمع بأسره، فتتسلل إلى فضاء السياسة، وتتمدّد بين التيارات والأحزاب، حتى نرى المشهد اليومي يبدأ وينتهي بمحاولات تسقيط الآخر وشيطنته، وكأن بقاء أحدهم مرهون بفناء سواه، وكأن لا حياة إلا فوق ركام المهزومين.هكذا يغدو العداء منهج حياة، لا يقتصر على الأفراد، بل يصبح خطاباً جماعياً، يتغلغل في تفاصيل العيش والعلاقات، ويمتد أثره من البيت الصغير حتى أسوار الوطن الكبير. وما لم ندرك أن حرب الوسائد هذه ليست مجرد هواجس عابرة، بل عرضٌ لمرضٍ أعمق، سيظل الليل ساحة مفتوحة لخصوماتنا الداخلية، وسيظل النهار مرآة لما يختلج في أعماقنا من ظنون وكراهية وخوف.لذلك، نحن بحاجة إلى وعي عميق يقودنا إلى مراجعة ذواتنا، والبحث في جذور هذه الصراعات النفسية التي حوّلت الحياة إلى ميدان دائم للقتال. فربما آن الأوان لنلقي أسلحتنا، ونمدّ أيدينا إلى سلام داخلي حقيقي، يُعيد للوسادة معناها الأول: مساحة للسكينة، لا ساحة حرب.

حين تتحوّل الوسادة إلى ساحة حرب
عاجل ...

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق