بين حرية الناخب وقسوة العبارات – قراءة نفسية وقانونية وشرعية ودستورية

حسين صادق23 سبتمبر 2025آخر تحديث :
بين حرية الناخب وقسوة العبارات – قراءة نفسية وقانونية وشرعية ودستورية

بين حرية الناخب وقسوة العبارات – قراءة نفسية وقانونية وشرعية ودستورية

 

البُعد النفسي :

 

الإنسان حين يُدفع لاختيار سياسي أو اجتماعي تحت ضغط العبارات القاسية مثل «من يبيع بطاقته الانتخابية يبيع شرفه»، يتأثر وجدانه وشعوره بالانتماء.

 

هذه اللغة تُنشئ شعوراً بالذنب والعار، حتى لمن مارس حقه الطبيعي في الامتناع أو المقاطعة.

من منظور علم النفس، استعمال مثل هذه المفردات يولّد إكراهًا معنوياً قد يقود إلى قرارات غير حرة، ويشوّه مفهوم الإرادة الفردية.

 

فالناخب قد يصمت أو يشارك تحت ضغط “الخوف من الوصمة” وليس بدافع القناعة.

 

البُعد القانوني :

 

الانتخابات في القوانين الوضعية تعتبر حقاً شخصياً وليست واجباً جنائياً.

القانون العراقي والدساتير المشابهة تنصّ على أن الانتخاب حقّ للمواطن، والحق يجوز ممارسته أو الامتناع عنه.

• بيع البطاقة أو التزوير: جريمة انتخابية منصوص عليها بعقوبات.

• الامتناع أو المقاطعة: ليس جريمة ولا يترتب عليه عقوبة.

 

إذن مساواة الامتناع مع البيع أو الإتلاف هو خطأ قانوني، لأن البيع يندرج تحت باب الفساد، أما الامتناع فهو استعمال لحرية الإرادة.

 

البُعد الشرعي :

 

من ناحية الفقه الإسلامي، الانتخابات ليست عبادة توقيفية حتى يترتب على تركها إثم ديني مباشر.

• بعض الفقهاء يعتبر المشاركة في الشأن العام واجباً كفائياً إذا ترتب عليه حفظ الحقوق أو رفع الظلم.

• لكن الامتناع إذا كان عن قناعة بعدم جدوى الانتخابات أو رفضًا للفساد، لا يمكن مساواته بالمعصية الشرعية.

 

إضافة إلى ذلك، هناك من الفقهاء من لا يقرّ بمبدأ الشورى المعاصرة أو الانتخابات الحديثة، وبالتالي لا يوجبها شرعاً بل يعتقد بالجعل الالهي ،او التنصيب الالهي اوالتعيين الالهي ولايؤمن بالديمقراطية والشورى اصلاً .

والبعض الاخر من الفقهاء من اجاز ذلك العمل القانوني والمدني واعتبره طريقة من طرق تنظيم كيان الدولة وبناءها وتمشية مصالحها.

 

البُعد الدستوري :

 

الدستور العراقي مثلاً ينص على:

• حق المشاركة في الانتخابات.

• حق الترشيح والتصويت.

• لكنه لا يفرض عقوبة على الامتناع.

وعليه:

الحق الدستوري لا يمكن تحويله إلى واجب بالإكراه المعنوي أو اللفظي.

والقول بأن الامتناع خيانة أو بيع للشرف يخالف مبدأ حرية الرأي والاختيار المكفول دستورياً.

 

البُعد القضائي :

 

القضاء ينظر إلى الأفعال المجرّمة قانوناً، مثل:

• بيع الأصوات.

• تزوير البطاقات.

• التلاعب بالنتائج.

 

أما الامتناع عن المشاركة فلا يدخل في باب الجريمة، وبالتالي لا أساس قضائي لمعادلة الامتناع مع بيع البطاقة.

 

البُعد المقارن مع تراث الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة :

 

الإمام علي عليه السلام قال: «عجبتُ لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه».

هذا يبيّن أنّ المقاومة الحقيقية للظلم هي مواجهة الفساد والظالمين، لا لوم الناس على خياراتهم.

 

إذا كان رفع السيف في وجه الظالم مشروعاً في حالة الفقر والقهر، فكيف يكون الامتناع عن الانتخابات — وهو وسيلة سلمية للاحتجاج — إثماً أو خيانة؟ ؟؟؟؟

بل بالعكس، قد يكون الامتناع موقفاً مشروعاً للاعتراض على الفساد.

 

المستخلص الشرعي والقانوني والقضائي والفقهي :

 

العبارة «من يبيع بطاقته الانتخابية يبيع شرفه» {{{ قد }}} تصحّ إذا قصد بها البيع المادي أو الفساد المباشر.

لكن تعميمها على الامتناع أو المقاطعة خطأ نفسيًا وقانونيًا وشرعيًا ودستوريًا، بل يُعد إكراهًا لفظيًا يتناقض مع حرية الإرادة.

 

الناخب بين الإقدام والإحجام يمارس حقاً دستورياً، ولا يجوز تكفيره أو تخوينه لمجرد أنه رفض المشاركة أو لم يصوّت لمرشح معيّن .

 

وإذا كان بيع البطاقة الانتخابية يُشبَّه ببيع الشرف، فإن الامتناع التام عن المشاركة قد يُفضي عملياً إلى ذات النتيجة من حيث تمكين الفاسدين وإضعاف المشاركة الشعبية، لكنه يظل حقاً دستورياً مشروعاً، ولا يمكن مساواته بالفعل المجرَّم المتمثل ببيع الصوت.

 

سالم حواس الساعدي

مستشار قانوني واعلامي

تخصص دقيق عمليات نفسية

عاجل ...

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق