بغداد: لا أمن في الشرق الأوسط بلا فلسطين… مصر تُعيد ترسيم خطوط العدالة

هيئة التحرير18 مايو 2025آخر تحديث :
بغداد: لا أمن في الشرق الأوسط بلا فلسطين… مصر تُعيد ترسيم خطوط العدالة

ثامر الشمري

في لحظة تاريخية مشبعة بالتحولات، وفي زمن تتسارع فيه اتفاقيات التطبيع وتتراجع فيه أولويات الشعوب، وقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قمة بغداد ليطلق تصريحًا مدويًا، قال فيه بوضوح:

“لن يكون هناك استقرار في الشرق الأوسط، إلا بوجود دولة فلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية.”

كان التصريح أكثر من مجرد موقف بروتوكولي. لقد أعاد الرئيس المصري تثبيت معادلة بات كثيرون يتجاهلونها: أن القضية الفلسطينية ليست بندًا في جدول المفاوضات، بل مفتاح الاستقرار في المنطقة بأسرها.

مصر بين ثقل التاريخ وضغوط الحاضر

مصر ليست دولة طارئة في الجغرافيا السياسية للمنطقة، بل هي القلب النابض الذي خاض الحروب من أجل فلسطين، ثم فاوض من أجل السلام، ودفع ثمن ذلك من صورته ونفوذه لعقود.

واليوم، وفي ظل التغيرات الإقليمية، والمصالح المتشابكة، والمواقف الدولية المتذبذبة، تأتي تصريحات السيسي لتقول إن القضية لم تُدفن، وإن الحقوق لا تسقط بالتقادم أو بالتطبيع المنفرد.

لكن، كما هو واضح، فإن الموقف المصري لا يُقال من فراغ، بل في ظل معادلات دقيقة:

• مصر ترتبط بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، تتضمن معونة عسكرية سنوية تقارب 1.3 مليار دولار.

• تواجه تحديات اقتصادية صعبة، أبرزها ارتفاع الدَّين العام، وضغوط صندوق النقد الدولي، وتضخم يرهق المواطن المصري.

• وتحاول الحفاظ على شبكة توازنات إقليمية مع دول الخليج وإسرائيل وأوروبا، بما يخدم استقرارها الداخلي أولاً.

ورغم ذلك، فإن ثبات الموقف من القضية الفلسطينية يعكس التزامًا سياسيًا وأخلاقيًا لا يزال حيًا، حتى في زمن المصالح الباردة.

تحليل واقعي للموقف المصري

■ السياسة والدبلوماسية:

مصر لا تزال تمسك بخيوط الملف الفلسطيني، من رعاية الحوار بين الفصائل إلى التهدئة في غزة، وهي تملك ما لا تملكه دول أخرى: الثقة من جميع الأطراف، والشرعية التاريخية للتحدث باسم العرب.

■ الجيش والدور الإقليمي:

الجيش المصري من أقوى جيوش المنطقة، لكنه يتحرك وفق عقيدة دفاعية واستراتيجية ردع، لا في مغامرات إقليمية. القاهرة تعي أن أي تصعيد عسكري ضد إسرائيل أو حلفائها ستكون له كلفة اقتصادية وسياسية باهظة، لذلك تلجأ إلى القوة الناعمة والدبلوماسية الوقائية.

■ الإعلام والتأثير المعنوي:

ورغم ضعف الإعلام العربي الرسمي عمومًا، لا تزال كلمة مصر تُحدث صدى معنويًا وشعبيًا واسعًا. فحين تقول القاهرة “لا أمن بلا فلسطين”، فهي تُحاكي شعورًا عربيًا وإسلاميًا عامًا، وتعطي غطاءً سياسيًا لمن لا يزالون يتمسكون بمبادئ الصراع العادل.

الخاتمة: مصر… حين تتحدث بعد صمت

خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة بغداد لم يكن مجرد تسجيل موقف، بل تأكيد على أن السلام الحقيقي لا يُبنى على التجاوز، بل على الاعتراف بحقوق أصحاب الأرض.

ورغم التحديات، فإن مصر اختارت أن ترفع صوتها في وقت خفتت فيه كثير من الأصوات، لتعيد التذكير بأن فلسطين ليست تفصيلًا، بل أصل المعادلة.

وفي زمن تتقدم فيه المصالح على المبادئ، فإن قول “لا استقرار دون فلسطين” هو تجديد للعهد السياسي والأخلاقي، ورسالة بأن الدولة المصرية، برغم الضغوط، لم تساوم على جوهر الحق.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل ...

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق