المحكمة الاتحادية العراقية أمام امتحان عسير: بين هيبة القانون وضغوط السياسة
بقلم: عدنان الناصري
تمر المحكمة الاتحادية العليا في العراق اليوم بأحد أكثر اختباراتها حساسية ودقة، والمتمثل في موقفها المنتظر من قضية قائمة السفراء. فبين ما يفرضه القانون والدستور من التزامات، وما تمارسه الأحزاب والقوى السياسية من ضغوطات مباشرة وغير مباشرة، تجد المحكمة نفسها في مفترق طرق يضع على المحك ليس فقط مصداقيتها، بل هيبة القضاء العراقي برمته وثقة الشارع بمؤسساته.
قضية قائمة السفراء: ما وراء الأسماء؟
تشير المعلومات المتداولة إلى وجود اعتراضات وشبهات تتعلق بآلية ترشيح وتعيين عدد من السفراء، سواء من ناحية المحاصصة الحزبية التي طغت على الكفاءة، أو من حيث مخالفة الإجراءات الدستورية والقانونية التي يفترض أن تحكم مثل هذه التعيينات السيادية. وقد أحيل الملف للمحكمة الاتحادية للبت فيه، وسط انقسام سياسي حاد واحتقان شعبي متزايد.
المحكمة الاتحادية: الحَكَم في نزاع القانون والسياسة
من الناحية الدستورية، فإن المحكمة الاتحادية هي الجهة العليا المسؤولة عن تفسير الدستور والفصل في النزاعات بين السلطات، وهي المرجع الأخير في حماية مبدأ الفصل بين السلطات. لذا فإن قرارها في هذا الملف لن يكون تقنيًا فحسب، بل سيُحمَل دلالات سياسية ومؤسسية عميقة، خاصة في ظل تآكل ثقة المواطن العراقي بفعالية مؤسسات الدولة.
الامتحان الحقيقي: استقلال القضاء
هنا يكمن جوهر الامتحان. فهل تستطيع المحكمة أن تقف بحزم إلى جانب سيادة القانون والدستور، وتثبت استقلالها الكامل عن التأثيرات الحزبية، أم أنها ستُرضخ، صراحة أو مواربة، لمعادلات التوازنات السياسية، مما يعني ضربة جديدة لثقة الناس بالقضاء العراقي، وربما بداية فقدان ما تبقى من الإيمان بإمكانية الإصلاح المؤسسي؟
الشارع العراقي يراقب… ويميز
الشعب العراقي، رغم سنوات الإحباط المتراكمة، لم يعد غافلًا عن تفاصيل كهذه. فمواقع التواصل، وتحليلات المختصين، والمتابعات الإعلامية، كلها ترصد وتفكك المسارات السياسية والقانونية بدقة. لذا، فإن أي تهاون في هذا القرار القضائي المرتقب لن يمر مرور الكرام، بل سيكون له ارتداد مباشر على صورة القضاء وهيبته.
لحظة فارقة
ليست هذه المرة الأولى التي توضع فيها المحكمة الاتحادية تحت المجهر، لكنها قد تكون اللحظة الأكثر تأثيرًا. فقرارها بشأن قائمة السفراء، وكيفية تعاطيها مع الملف، سيكون مؤشرًا حاسمًا على مستقبل استقلال القضاء في العراق. والأمل معقود على أن تنتصر المحكمة للمبدأ، لا للمصلحة، وللدستور، لا للمحاصصة. ففي لحظات كهذه، يُصنع الفارق بين الدول التي تنهض بقوة القانون، وتلك التي تسقط تحت عبء الصفقات.