*بقلم: [عزيز جبر الساعدي]
.(أُحدّق في المدى…
ولا أرى سوى خيالاتي
تسافر على سُحبٍ رمادية،
تبحث عن ظلٍّ لا يخون المسير،
عن دفءٍ لا يذوب عند أول شتاء…
كم نسيتُ ملامحي
في مهبّ الأسئلة،
وتركتُ قلبي معلّقًا
على جدارٍ شاحب،
ينتظر يدًا تُربّت،
وصوتًا يُعيد نبضه الأوّل…
أُكابر في الانكسار،
أُخفي خلف صمتي
خرائطَ نجاةٍ
محاها الوجع…
وما عدت أُجيد الحنين
إلا لظلّي حين كان
يمشي جواري خفيفًا،
كأن الحياة لم تخدش بعدُ
نوافذ الروح…
أيا أنا…
إن صادفتني صدفةً
على رصيف غربةٍ أخرى،
فاخبرني:
هل كنتُ حقًا هناك؟
أم أنّي كنتُ مجرد حلمٍ
أضاعه الفجر في ازدحام الرحيل…
في قصيدة مفعمة بالبوح والنداء الداخلي، يصوغ الشاعر ناظم رشيد مشهدًا شعريًا بالغ الصفاء والوجع، يلتقط فيه لحظة فقدان الذات في مرآة الزمن، ويلاحق ما تبقّى من الطمأنينة وسط عالمٍ رمادي الخيالات.
“أُحدّق في المدى…
ولا أرى سوى خيالاتي
تسافر على سُحبٍ رمادية…”
منذ البداية، يدخل القارئ في مساحة مشوّشة بالرؤى، حيث *الذات تراقب ذاتها، وتبحث في المدى عن أثر دافئ لا يذوب، عن حضور لا يخون المسير، عن معنى لا يخفت في أول شتاء.
القصيدة تُبنى على تقنية الاعتراف الهادئ. لا صراخ، بل خيبة تُروى بصدق:
*”كم نسيتُ ملامحي في مهبّ الأسئلة…”*
هنا يتحول الوجه إلى سؤال، والقلب إلى جدار ينتظر من يربّت عليه. إنها صورة للانكسار الداخلي الذي لا يظهر في العلن، بل يُخزّن بصمت تحت طبقات من الكبرياء والانتظار.
ثم يقول:
“وما عدت أُجيد الحنين
إلا لظلّي حين كان…”
إنه *الحنين إلى الذات النقية*، إلى الطفولة الوجدانية التي لم تخدشها خيبات العالم. الظلّ هنا ليس مجرد استعارة، بل رمزٌ للسلام الداخلي حين كان الإنسان في انسجام مع نفسه.
وفي نهاية القصيدة، نصل إلى الذروة:
“أيا أنا… إن صادفتني صدفةً
على رصيف غربةٍ أخرى…”
هي لحظة تشكيك في كل ما مضى، تساؤل مؤلم: هل كنت أنا هناك حقًا، أم مجرد وهمٍ عبر؟
وهنا الغربة لا تعني المكان، بل الاغتراب عن الذات*.
قصيدة ناظم رشيد ليست مجرد حنين، بل *جردة روح* تقف أمام مرايا الغربة، تراجع انعكاسها في الضوء والظلّ، في السؤال والخذلان، وفي الحنين الذي لم يعد يملك عنوانًا.
هي صرخة صامتة، لكنها عميقة، تمسّ كل من عرف المعنى الحقيقي لـ”أن تفتقد
✦ عن الشاعر
ناظم رشيد، شاعر وكاتب عراقي، ينتمي إلى جيل يمتزج فيه الهمّ الوجودي بالحنين الوجداني. يحمل قصيدته كمرآة لنفسه أولًا، ولأرواح أضناها التيه والخذلان. كتب بأسلوب شفاف، مشبع بالتأمل والحزن النبيل، متجنبًا الزخرف اللغوي لصالح الصدق الداخلي.
ينشغل شعره ،بأسئلة الهوية والانتماء والغربة عن الذات، ويمنح نصوصه نبرةً هادئة تخفي تحتها نارًا لا تخبو من الحنين لما هو أنقى وأجمل.
عزيزجبرالساعدي/ بغداد
بورك اهتمامك وقراءتك العميقة للنص دكتورنا البهي عزيز جبر محبة واحترام