الردّات الحسينية.. وجدان جمعي يتخطى المذهب واللغة

هيئة التحرير2 يوليو 2025آخر تحديث :
الردّات الحسينية.. وجدان جمعي يتخطى المذهب واللغة

 

بقلم: الدكتور بسام عبد الله الهذال

 

تُعدّ الردّات الحسينية من أبرز أشكال التعبير الشعبي والشعائري التي ترافق إحياء ذكرى واقعة الطف الخالدة، فهي ليست مجرد أبيات من الشعر الحزين أو نغمات تقليدية تُردد في المجالس والمواكب، بل هي صوت وجداني ينبض من أعماق التاريخ ليخاطب الضمير الإنساني الحي. ومن خلال ترديدها الجماعي، وانسيابها مع الإيقاع والدمعة، تتحول الردّات إلى وسيلة لتحفيز المشاعر وبثّ العزيمة وإحياء روح التضحية والثبات على المبادئ. فهي لا تنقل مأساة، بل تعيد صياغتها شعوريًا، وتجعل منها شعلة تُضيء دروب الوعي، وتنقل القيم التي حملها الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه من الماضي إلى الحاضر والمستقبل.

 

لقد تجاوز تأثير الردّات الحسينية الحدود المذهبية والجغرافية، فهي لم تعد حكرًا على فئة دون أخرى، بل باتت تلامس مشاعر أتباع المذاهب والطوائف الأخرى، لما تحمله من معانٍ إنسانية نبيلة تتصل بالعدالة، والكرامة، ومقاومة الظلم، وهي القيم التي يتشاركها البشر على اختلاف معتقداتهم. وفي كثير من المناسبات، لوحظ التفاعل العاطفي العميق من قبل أتباع مذاهب مختلفة، الذين يجدون في الردّات الحسينية تعبيرًا صادقًا عن الألم الإنساني المشترك، وصرخةً ضد الطغيان والانحراف، فتراهم يشاركون في المجالس، وينشدون مع الجموع، ويتأثرون بحرارة النبرة وصدق النواح.

 

ولعل الأهم أن هذا التأثير لم يقتصر على الناطقين بالعربية، بل امتد ليشمل شعوبًا من دول غير عربية، في جنوب آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية، حيث تؤدى الردّات بلغات متعددة أو تُترجم كلماتها، ويظل وقعها النفسي حاضرًا بقوة. كثيرون ممن لا يعرفون اللغة العربية يذرفون الدموع عند سماع هذه الردّات، لأن الإحساس الصادق لا يحتاج إلى ترجمان، ولأن المأساة الحسينية تحمل بُعدًا وجدانيًا عابرًا للّغة والثقافة والهوية.

 

إن الردّات الحسينية اليوم باتت تمثل مدرسة حية في التعبير عن المبادئ، ومحفزًا قويًا لاستنهاض الضمير الجمعي، وهي بذلك تُسهم في بناء وعي إنساني مشترك، يتغذى من التاريخ ويستلهم دروسه، ويجعل من الحزن رسالةً لا تعرف الانغلاق، بل تمتد لتلامس وجدان العالم أجمع، وهي تستمد هذا المعنى العميق من سيرة الإمام الحسين عليه السلام وتضحيته الخالدة.

عاجل ...

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق