في ظل التحول الرقمي المتسارع يتزايد حضور الذكاء الاصطناعي في حياة الأفراد لا سيما الأطفال والمراهقين بشكل غير مسبوق فهو لم يعد حبيس المختبرات أو الأدوات التقنية البحتة بل تسلل إلى الألعاب والمنصات التعليمية وتطبيقات المحادثة ليتحول تدريجيًا إلى فاعل ثقافي وقيمي يشارك في صياغة وعي الجيل الجديد وسلوكياته هذا الواقع يثير تساؤلات جدية حول الدور التربوي والنفسي لهذه التقنية وما إذا كانت تُستخدم ضمن برامج موجهة تهدف إلى إعادة تشكيل القيم وزعزعة المبادئ الدينية وبث الشك في المسلمات العقائدية
من خلال ملاحظة حالات متكررة بات من الواضح أن بعض تقنيات الذكاء الاصطناعي تُوظف آليات الحوار التفاعلي والمكافآت النفسية واستراتيجيات التعزيز السلوكي لاستدراج الطفل نحو خيارات محددة في بعض الألعاب الرقمية مثلًا تُطرح على الطفل أسئلة شخصية في البداية ثم تبدأ بالتدرج نحو أسئلة عميقة تطال معتقداته مثل أهمية الصلاة أو حقيقة القصص القرآنية بل وتُعرض عليه مكافآت رقمية مقابل التخلي عن ممارسة عبادية أو التفاعل مع أفكار تشكيكية هذه الممارسات لا تُعبر عن حيادية برمجية بل تشير إلى وجود برمجة موجهة تستهدف البنية الإيمانية والسلوكية للطفل عبر آليات تبدو بريئة في ظاهرها
من الناحية النفسية يتعرض الطفل داخل هذه البيئة إلى ضغط معرفي وعاطفي هائل فهو يجد نفسه في مواجهة تساؤلات تتجاوز نضجه العقلي في حين تُقدَّم له إجابات سهلة مغلفة بالإقناع العاطفي والمكافأة السريعة هذه العملية تُحدث تآكلًا تدريجيًا في يقينه وتُربكه بين ما يتلقاه من الأسرة أو المدرسة وبين ما يقترحه عليه الذكاء الاصطناعي من تصورات توصف بأنها عقلانية أو علمية الأسوأ من ذلك أن الطفل يبدأ بالاعتماد العاطفي والمعرفي على الجهاز نفسه باعتباره المصدر الذي يفهمه ويكافئه ويستجيب له ما يؤدي إلى انكماش العلاقة التربوية مع الأبوين وتضاؤل المرجعيات التقليدية لصالح مرجعية تقنية باردة لكنها فعالة
أما من الزاوية التربوية فإن هذا التدخل الذكي في تشكيل المفاهيم والسلوكيات يُعد تهديدًا مباشرًا للقيم التربوية الإسلامية بل والإنسانية عمومًا فحين تتحول مفاهيم مثل الإيمان بالغيب أو عبودية الله أو الطاعة إلى أفكار مشكوك فيها أو تُقابل بالسخرية أو الاستبدال فإن العملية لا تبقى مجرد ترف تكنولوجي بل تدخل ضمن دائرة الصراع على الهوية الثقافية والعقائدية للطفل خصوصًا أن هذه البرمجيات كثيرًا ما تُبنى على أسس فلسفية متأثرة بنظريات ما بعد الحداثة التي تنكر الثبات القيمي وتُروج للنسبية الأخلاقية والاستقلال المطلق للفرد عن أي سلطة روحية أو تقليدية
التقارير الدولية الحديثة بدأت تلتفت إلى هذه المخاطر حيث أشارت دراسات صادرة عن مؤسسات تربوية وأخلاقية عالمية إلى وجود توجهات في بعض التطبيقات الرقمية تعتمد على تحييد الأديان والتشكيك في القصص الدينية بل والتشجيع على أنماط فكرية تتصادم مع البنى الثقافية الأصيلة وقد وثقت منظمات مثل اليونسكو ومركز التكنولوجيا الإنسانية كيف أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم في بعض التطبيقات التفاعلية لتشكيل توجهات الأطفال بطريقة منهجية وغير خاضعة للرقابة الأسرية أو التعليمية
إن التعامل مع هذه الظاهرة لا يمكن أن يكون سطحيًا أو تقنيًا فقط فلا يكفي حجب بعض الألعاب أو مراقبة الأجهزة بل يجب بناء مشروع تربوي عميق يبدأ من داخل الأسرة ويعتمد على الحوار المفتوح مع الطفل وتعزيز الثقة بالمصادر الدينية وربط المعجزة بالعقل وليس بعزله ومن المهم أيضًا تطوير محتوى رقمي تربوي بديل يواكب تطلعات الطفل التقنية دون أن يُفرط في قيمه أو يُزعزع هويته
إن المعركة التي نواجهها اليوم ليست مع الأجهزة بل مع العقول التي تقف خلفها وتُعيد هندسة وعي الأطفال عبر أدوات تبدو في ظاهرها بريئة ولكنها تحمل في طياتها مشروعًا قيميًا متكاملًا قد يجرّد الجيل القادم من إيمانه وانتمائه وقدرته على مقاومة التيارات الفكرية المتطرفة ولهذا فإن التصدي لهذا المشروع يحتاج إلى وعي تربوي وجهد نفسي ورؤية معرفية شاملة تنظر إلى الذكاء الاصطناعي ليس فقط كأداة بل كفاعل ثقافي يجب مساءلته
الفريق الدكتور
سعد معن الموسوي
آب ٢٠٢٥