الحرب الرقمية وتأثيرها على القوى العسكرية في العصر الحديث

هيئة التحرير2 يوليو 2025آخر تحديث :
الحرب الرقمية وتأثيرها على القوى العسكرية في العصر الحديث

 

بقلم: الدكتور بسام عبدالله الهذال

 

لم تعد الحروب في عصرنا الحالي تشبه ما كانت عليه في القرن الماضي. فقد أفرزت الثورة الرقمية تحولًا عميقًا في بنية الجيوش وأساليب القتال، حتى أصبح من الممكن خوض المعركة والتحكم بنتائجها من خلف شاشات الحاسوب، ومن غرف عمليات ترتبط مباشرة بالأقمار الصناعية. باتت الرقمنة اللاعب الأول في رسم معادلات القوة، وأصبح من يملك القدرة التكنولوجية المتطورة يتحكم بمسار الحروب ومستقبلها.

 

لقد شهد العالم تطورًا مذهلًا في مجال الأسلحة الذكية، حيث أصبحت الصواريخ تعتمد على أنظمة توجيه رقمية متصلة بالأقمار الصناعية، قادرة على إصابة أهدافها بدقة عالية، مهما بعدت المسافات. الطائرات المسيّرة، بدورها، تغيّر قواعد المعركة، فهي لا تحتاج إلى طيار، بل تُدار عن بُعد، وتنفذ عمليات تجسسية وهجومية معقدة، وتعود أدراجها دون أن تُكتشف. كل ذلك يتم عبر أنظمة رقمية متطورة، ترتكز على الذكاء الاصطناعي والتحكم المعلوماتي.

 

لكن الحرب الرقمية لا تقتصر على العتاد العسكري، بل تمتد إلى ساحة الإعلام، حيث يُستخدم الإعلام الرقمي كسلاح ناعم، لكنه بالغ الخطورة. تُشن عبره حروب نفسية تهدف إلى إرباك الخصم، والتأثير على وعي الجماهير، ونشر المعلومات المضللة، وكل ذلك في إطار ما بات يُعرف بـ”الحرب الهجينة” التي تمزج بين القوة الخشنة والناعمة. لقد أصبحت منصات التواصل الاجتماعي جزءًا من الخطط العسكرية، يستخدمها أطراف النزاع لنشر الروايات وتوجيه الرسائل وتعبئة الرأي العام.

 

وفي قلب هذا التحول، تأتي المعلوماتية الرقمية كأداة لا غنى عنها في عمل الجيوش الحديثة. فالتقنيات الرقمية تتيح للدول تتبع تحركات العدو، وتحليل سلوكياته، والتنبؤ بقراراته، باستخدام أدوات تحليل البيانات الضخمة التي تجمع المعلومات من كل المصادر، وتقدمها في صورة دقيقة لصانع القرار العسكري.

 

تُدار هذه المنظومات جميعًا عبر شبكات رقمية ضخمة، ترتبط بالأقمار الصناعية التي تمثل العين الساهرة للجيوش الحديثة. هذه الأقمار لا تكتفي بتحديد الأهداف ومراقبة الحدود، بل تلعب دورًا مباشرًا في توجيه الضربات، وربط الوحدات العسكرية ببعضها البعض، وتوفير الاتصالات الآمنة على مدار الساعة. ومع هذا التطور، ظهرت تحديات جديدة تمثلت في الهجمات المعلوماتية، التي تهدد باختراق الأنظمة الرقمية وشل البنى التحتية العسكرية والاقتصادية للدول، وهو ما يجعل الأمن المعلوماتي أولوية قصوى لدى جميع القوى الكبرى.

 

إن الحرب الرقمية قد غيّرت جوهر القوة العسكرية، فلم يعد التفوق يُقاس بعدد الجنود أو حجم العتاد، بل بمستوى التطور التقني والدقة الرقمية في إدارة المعركة. إنها معركة تعتمد على البيانات قبل الذخيرة، وعلى البرمجيات قبل البنادق، حيث يحدد النصر من يتحكم بالفضاء الرقمي قبل أن تطأ قدمه أرض المعركة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل ...

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق