الإعلام بين الحقيقة والإثارة.. كيف نحمي استقرار الوطن من فوضى السوشيال ميديا؟
بقلم/عامر جاسم العيداني
المجتمعات لا تنهض إلا حين يكون إعلامها مسؤولًا وواعياً لدوره الحقيقي فالإعلام ليس مجرد أداة لنقل الأخبار بل هو صانع للرأي العام ومؤثر مباشر في استقرار الدول أو اضطرابها.
وعندما يتحول الإعلام التقليدي أو الرقمي إلى منبر لتضخيم الحوادث الفردية مثل جرائم القتل أو حالات الانتحار فإنه يفتح أبواباً واسعة للجدل والفوضى ويزرع الخوف في نفوس الشباب ويُربك المشهد الأمني ويضع مؤسسات الدولة أمام اتهامات وتشكيك لا مبرر له.
هذه الظاهرة التي نعيشها اليوم في العراق حيث تنتشر القضايا الفردية بسرعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتتناولها الفضائيات بأسلوب مثير بحيث أصبحت تمثل تحدياً حقيقياً للأمن الاجتماعي والنفسي بل ولعمل القضاء الذي يُفترض أن يبقى المرجع الأول والأخير في الحسم.
المهنية في العمل الإعلامي هي خط الدفاع الأول عن استقرار المجتمع فالإعلام الذي يبحث عن الإثارة والسبق الصحفي دون مراعاة حجم الأثر النفسي والاجتماعي يتحول إلى عامل هدم أكثر من كونه وسيلة بناء.
ولعل أخطر ما يحدث هو أن بعض الوسائل الإعلامية توظف هذه الحوادث لتسقيط جهات سياسية أو للطعن في مؤسسات الدولة مما يجعل المواطن في حالة شك دائم ويضعف ثقة الشارع بقدرة الحكومة والأجهزة الأمنية على فرض النظام ، إن غياب المهنية هنا لا يسيء فقط إلى صورة الإعلام نفسه بل ينعكس سلباً على صورة الوطن أمام الداخل والخارج.
إن الإعلام المسؤول هو الذي ينقل الحقائق كما هي دون تهويل أو تقليل ويضعها في حجمها الطبيعي بانتظار نتائج التحقيقات الرسمية التي تضمن العدالة وتوضح الملابسات. وهو الإعلام الذي يعرف أن مهمته الأساسية ليست زيادة نسب المشاهدة ولا حصد الإعجابات على منصات التواصل بل المساهمة في حماية الاستقرار الوطني وخلق وعي جمعي يساند الدولة في مواجهة التحديات.
ولا يقل دور الشباب هنا أهمية عن دور المؤسسات الإعلامية فهم الأكثر حضوراً وتأثيراً في فضاء التواصل الاجتماعي ومنشوراتهم قد تتحول إلى مادة للرأي العام وتؤثر على مزاج الشارع بأكمله.
ومن الخطأ أن يُستغل هذا الفضاء لنشر التكهنات أو الاتهامات غير المسندة لأن ذلك يساهم في تشويه الحقيقة وربما التأثير على مجرى القضاء في وقت يحتاج فيه البلد إلى وعي شبابي مسؤول يستخدم هذه المنصات في خدمة الحقيقة والدفاع عن الاستقرار لا في إشاعة القلق والخوف.
على الشباب أن يدركوا أن الكلمة قد تكون سلاحاً إما للبناء وإما للهدم وأن دورهم اليوم هو أن يجعلوا من حضورهم الرقمي دعامة لوطنهم لا عبئاً عليه.
وفي ظل عالم مفتوح لا يعرف الحدود في سرعة انتشار المعلومة تصبح مسؤولية الإعلاميين والشباب معاً أكبر من أي وقت مضى ، فالكلمة قد تثير أزمة والصورة قد تشعل الشارع والخبر غير الدقيق قد يفتح الباب أمام الشائعات والفوضى.
لذلك فإن من مصلحة العراق اليوم أن يكون إعلامه وشبابه معاً شركاء في التنمية وحراساً للأمن النفسي والاجتماعي لا أن يكونوا جزءاً من أسباب القلق. ان الإعلام الحقيقي هو الذي يعمل بضمير المهنة والشباب الحقيقي هو الذي يضع وطنه أولاً ، وبذلك فقط يمكن أن نحصّن المجتمع ونحافظ على استقراره.