بقلم انتصار الحسين
الآن خمد صوت المعركة وسكتت السيوف وها هو الحسين وأصحابه بين مقطوع الرأس والأوصال ومهشم الجبين ومرضوض الأضلاع تحت سنابك الخيل تتراقص ألسنة النار في الخيام وتتعالى صرخات الأطفال وهم يتفرقون في أرض الطف تتقاذفهم الوحشة واللهيب وتضيع وجوههم الصغيرة بين الدخان والدموع كأنهم فقدوا دفء الأمان إلى الأبدفي ذلك المشهد المروع وبين تصاعد لهيب النار وسواد الدخان تقف امرأة بكل وقارها انحنت فيها الروح من ثقل المصاب وانكسر ضلعها وتمزق قلبها لكنها أخفت كل ذلك تحت الثياب وبقيت شامخة عالية الرأس ثابتة كالجبل لم تهزها الفواجع ولم تضعفها النكبات فكانت بحق جبل الصبر الذي احتمى به اليتامى والنساء في لحظة جمعت بين الانكسار والصمودتتردد في أعماقها أصوات الأحبة الذين رحلوا تستعيد صورهم في عينيها صوت الحسين وهو يودعها دمعة العباس على خدها أنين الأطفال في حضنها كل ذلك يعتصر قلبها لكنها ترفع كفيها للسماء وتهمس بخشوع يا رب إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضىيا لروعة هذا التسليم ويا لعظمة هذه الروح التي لم تهزمها الجراح بل زادتها إشراقا وسموا هي زينب وكفى وهل حملت الأرض صابرة محتسبة شامخة مثل زينبتسير بين الخيام المحترقة تجمع بقايا الصبر من رماد المصيبة وتغطي الأطفال برداء الأمل رغم أن الحزن قد أكل من قلبها كل شيء تطوف بين الجراح وتلملم شتات القلوب المكسورة وتبث في النفوس المنهكة بذور الثبات والرجاءلقد استعدت لاستلام الركب وجمع الصغار للسير نحو المجهول بين أيدي الأعداء وأجبرت أن تسير مع قتلة إخوتها ظنوا أنهم يسيرون بها مسبية ضعيفة لا يعلمون أن في قلبها نور الرسالة وفي عينيها وهج البطولة وأنها ستثبت رسالة أخيها بأحرف من ضياء وستحطم كبرياءهم في عقر دارهموقفت في مجلس الطغيان وقالت كلمتها الخالدة ما رأيت إلا جميلا فكانت كلمتها سيفا يقطع أوهامهم ونورا يبدد ظلامهمعظم الله لكم الأجر يا آل بيت رسول الله عظم الله لك الأجر يا صاحب الزمان أيها المحزون المهموم المؤتمن المنتظرالسلام على الحسين السلام على آل بيت الحسين والسلام على أصحاب الحسين والسلام على زينب والسلام على كل قلب حمل الحزن الزينبي فصار شعلة أمل ونور هداية مكملا للطريق الحسيني .
