إلى أين يتجه طلاب السادس بعد النجاح؟
بقلم : حسين عصام
بعد أن ينتهي طلاب السادس الإعدادي من الامتحانات ويُعلن النجاح، تبدأ رحلة جديدة أكثر صعوبة من الامتحان نفسه: إلى أين يتجه الطالب؟ الكليات الحكومية أم الأهلية؟
في السنوات الأخيرة، لاحظنا تراجع الإقبال على الكليات الحكومية رغم عراقتها ومكانتها، مقابل اندفاع غير مسبوق نحو الكليات الأهلية. هذه المفارقة تكشف عن أزمة ثقة بالمنظومة التعليمية الحكومية، سواء من ناحية القبول المركزي وضوابطه الصارمة، أو من ناحية التخصصات المحدودة التي لا تواكب سوق العمل. الطالب اليوم يبحث عن فرصة أسهل وأسرع للحصول على شهادة، حتى لو كانت مكلفة ماليًا.
لكن خلف هذه الظاهرة تقف أسباب أعمق. الكليات الأهلية لم تعد مجرد مؤسسات تعليمية، بل تحولت عند البعض إلى مشاريع استثمارية مربحة، تتغذى على رغبة الأهالي في إلحاق أبنائهم بأي كلية، حتى لو كان الثمن أرقامًا فلكية من الأقساط. وهنا يظهر عنصر غسيل الأموال، إذ يجد بعض أصحاب رؤوس الأموال أن الاستثمار في التعليم الأهلي وسيلة آمنة لتدوير الأموال وإضفاء طابع “شرعي” عليها، بعيدًا عن الرقابة الصارمة.
اللافت أن الكثير من العوائل باتت تنظر إلى التعليم الأهلي كـ واجهة اجتماعية للتفاخر: الأب يقول “ابني بالكلية الفلانية الأهلية”، وكأنها علامة رفاهية أو مستوى اجتماعي أعلى، بغض النظر عن جودة التعليم. هذه الثقافة غذّت حالة من الجهل الجمعي، إذ لم يعد التركيز على القيمة العلمية أو مخرجات التعليم، بقدر ما أصبح على “الشهادة بأي ثمن”.
أما لماذا تكاثرت الكليات الأهلية في العراق؟ فالجواب بسيط: الطلب المرتفع والربح السريع. كلما زاد إقبال الناس بدافع التفاخر أو البحث عن بديل أسهل، زاد توسع المستثمرين في فتح كليات جديدة، حتى أصبحت بعض المحافظات تملك عدداً من الكليات الأهلية يفوق احتياجها الفعلي.
في النهاية، يقف الطالب العراقي اليوم أمام مفترق طرق حقيقي: إما أن يختار طريق التعليم الحكومي بما فيه من صعوبات وضوابط لكنه أكثر رصانة، أو يلجأ إلى التعليم الأهلي الذي بات في كثير من الأحيان مرادفًا للوجاهة الاجتماعية، لكن مع علامات استفهام كبيرة حول جودته ومخرجاته. وبين الاثنين، يظل الخاسر الأكبر هو المستقبل العلمي للبلد، الذي يتحول تدريجيًا إلى سوق مفتوح للشهادات، أكثر من كونه منظومة حقيقية لبناء الإنسان.