إساءة استعمال الحق في التقاضي : عندما تتحول الشكاوى إلى عبء على القضاء والمجتمع
البعد القانوني :
القانون والدستور يكفلان حق التقاضي، باعتباره من أهم الحقوق الأساسية التي لا يجوز حرمان المواطن منها.
غير أن الفقه القانوني والفقه القضائي رسّخا مبدأً مهماً وهو: “لا إساءة في استعمال الحق”. فإذا تحوّل حق اللجوء إلى القضاء إلى وسيلة للتلاعب أو للمناكفات السياسية بين الخصوم، فهو يخرج عن غايته الأصلية ويصبح صورة من صور التعسف في استعمال الحق.
إن الشكاوى الكيدية أو المتكررة التي تنتهي دائماً بالتصالح أو التنازل تمثل إشغالاً مفتعلاً للقضاء، وتستنزف موارد الدولة عبر:
• وقت المحاكم والقضاة.
• المخاطبات الرسمية بين الجهات.
• أوامر القبض والتبليغات.
• إجراءات التنفيذ.
ثم تكون النتيجة في النهاية : إغلاق الدعوى، الإفراج، عفو خاص، أو تنازل متبادل، ما يجعل السلطة القضائية رهينة صراعات موسمية بين السياسيين.
البعد القضائي :
من الناحية القضائية، هذه الظاهرة تضر بمبدأ هيبة القضاء وسمعته، إذ يُزجّ بالمحاكم في معارك شخصية أو حزبية تنتهي بالمصالحة على موائد الطعام، في حين يترك المجتمع غارقاً في خلافات وصراعات وهمية.
كما أنّ كثرة هذه القضايا تؤدي إلى تأخير البت في قضايا الناس الحقيقية، كقضايا الفقراء والموظفين والمرأة والطفل، مما يهدد العدالة الناجزة ويقوض الثقة بين المواطن والمؤسسة القضائية.
البعد النفسي والاجتماعي :
على المستوى النفسي، يشعر المواطن البسيط بالإحباط وهو يرى كيف أن السياسيين يتلاعبون بالعدالة وكأنها لعبة بيدهم:
• اليوم خصومة، غداً مصالحة.
• اليوم دعوى قضائية، غداً جلسة عشاء.
أما المجتمع فينقسم وينشغل بالخلافات التي يفتعلها هؤلاء السياسيون، ليبقى في حالة توتر واستقطاب دائم، بينما هم قادرون على تجاوز خلافاتهم بسهولة عندما تتقاطع مصالحهم.
هذا يولّد حالة من العجز الجمعي وفقدان الثقة بالقضاء والدولة.
الرأي والمقترح :
لا يتعارض أي إجراء رادع ضد هذه الممارسات مع مبدأ حق التقاضي، بل هو يدخل في باب تنظيم استعمال الحق.
ومن هنا يمكن أن تتبنى السلطة القضائية ومجلس القضاء الاعلى او السلطة التشريعية الإجراءات الآتية:
1. وضع غرامات مالية على الشكاوى التي تنتهي بالتصالح المتكرر دون مبرر.
2. اعتبار تكرار الشكوى ثم التنازل صورة من صور إساءة استعمال الحق.
3. تفعيل صلاحيات الادعاء العام بمراقبة هذه الدعاوى ورفع توصيات للحد من الكيدية والمناكفات.
4. توعية الرأي العام بأن هذه النزاعات المصطنعة لا تعكس مصلحة الناس بل مصالح شخصية ضيقة.
المستخلص النفسي والقانوني والقضائي
إنّ ملاحقة المسؤولين والسياسيين الذين يحولون القضاء إلى ساحة لتصفية الحسابات ثم مجالس للمجاملات ليست انتقاصاً من حقهم في التقاضي، بل هي حماية للقضاء من العبث، وحماية للمجتمع من الانقسام، وصونٌ لموارد الدولة من الهدر.
إن العدالة لا تحتمل العبث، وإذا كان القانون سلاحاً، فلا يجوز أن يتحول إلى لعبة بيد من يفترض أنهم قدوة في احترامه من الساسة .
سالم حواس الساعدي
مستشار قانوني واعلامي
تخصص دقيق عمليات نفسية